وقيل (١): معنى ﴿فَلَا تَنْسَى﴾: فلا تترك العمل به إلا ما شاء الله أن تتركه لنسخه ورفع حكمه، وقيل: المعنى؛ إلا ما شاء الله أن يؤخر إنزاله، وقيل: ﴿لَا﴾ في قوله: ﴿فَلَا تَنْسَى﴾ للنهي، والألف مزيدة لرعاية الفاصلة، كما في قوله: ﴿فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾ يعني: فلا تغفل قراءته وتذكره، وقال الفراء: وهو سبحانه لم يشأ أن ينسي محمدًا - ﷺ - شيئًا، وهو نظير قوله: تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ إلا أنَّ القصد من هذا الاستثناء بيان أنه لو أراد أن يصيره ناسيًا.. لقدر على ذلك، كما جاء في قوله: ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ وإنا لنقطع بأنه تعالى ما شاء ذلك.
وقصارى ذلك: أن فائدة هذا الاستثناء بيان أنه تعالى قادر على أن ينسيه، وأن عدم النسيان فضل عن لله تعالى إحسان، لا من قوته. وقال أبو حيان: ومناسبة قوله: ﴿سَنُقْرِئُكَ﴾ لما قبله: أنه لما أمر تعالى بالتسبيح، وكان التسبيح لا يتم إلا بقراءة ما أنزل عليه من القرآن، وكان يتذكر في نفسه مخافة أن ينسى.. أزال عنه ذلك، وبشره بأنه تعالى يقرئه وأنه لا ينسى، واستثنى ما شاء الله أن ينسيه لمصلحة من تلك الوجوه.
والمعنى: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦)﴾؛ أي (٢)؛ سننزل عليد كتابًا تقرأه، ولا تنسى منه شيئًا بعد نزوله عليك، وقد كان - ﷺ - إذا نزل عليه القرآن أكثر من تحريك لسانه مخافة أن ينساه، فوعد بأنه لا ينساه.
وخلاصة ذلك: أنا سنشرح صدرك ونقوي ذاكرتك حتى تحفظه بسماعه مرة واحدة، ثم لا تنساه بعدها أبدًا.
ولما كان هذا الوعد على سبيلِ التأبيد يوهم أن قدرته تعالى لا تسع تغييره.. جاء بالاستثناء فقال: ﴿إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾؛ أي: فإن أراد أن ينسيك شيئًا لم يعجزه ذلك.
ثم أكد هذا الوعد مع الاستثناء فقال: ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى﴾، والجملة تعليل لما قبلها (٣)؛ أي: يعلم ما ظهر وما بطن، والإعلان والإسرار، وظاهره
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.