العموم، فيندرج تحته ما قيل: إن الجهر ما حفظه رسول الله - ﷺ - من القرآن، وما يخفى هو ما نسخ من صدره، ويدخل تحته أيضًا ما قيل: من أن الجهر هو إعلان الصدقة، وما يخفى هو إخفاؤها، ويدخل تحته أيضًا ما قيل: إن الجهر جهره - ﷺ - بالقرآن، مع قراءة جبريل؛ مخافة أن يتفلت عليه، وما يخفى ما في نفسه مما يدعوه إلى الجهر، وعلى هذا يكون (١) المعنى: أي: إنه تعالى عالم بجهرك في القراءة مع قراءة جبريل عليه السلام، وعالم بالسر الذي في قلبك، وهو أنك تخاف النسيان، فلا تخف، فأنا أكفيك ما تخافه. و ﴿مَا﴾ في قوله: ﴿وَمَا يَخْفَى﴾. موصولة ولا يجوز أن تكون مصدرية لئلا يلزم خلوُّ الفعل من فاعل ولولا ذلك لكان كونها مصدرية أحسن لعطف مصدر مؤول على مثله صريح.. إلخ، كما في "السمين"، وكلٌّ من الجهر والإخفاء شامل لما كان من قبيل القول والعمل، والإخفاء لما في الضمائر من النسيان.
والمعنى: أي يعلم سبحانه ما ظهر وما بطن من الأمور التي من جملتها ما أوحي إليك، فينسي ما يشاء إنساءه، ويبقي محفوظًا ما يشاء إبقاءه لما نيط بكل منهما من مصالح دينكم.
والحاصل (٢): أي إن الذي وعدك بأنه سيقرئك، وأنه سيجعلك حافظًا لما تقرأ فلا تنساه، عالم بالجهر والسر، فلا يفوته شيء مما في نفسك، وهو مالك قلبك وعقلك، وخافي سرك وجهرك، ففي مقدوره أن يحفظ عليك ما وهبك، وإن كان من خفيات روحك، ولو شاء لسلبه، ولن تستطيع دفعه؛ لأنه ليس في قدرتك أن تخفي عنه شيئًا.
٨ - ولما كان في الوعد بالإقراء الوعد بتشريع الأحكام، وفيها ما يصعب على المخاطبين احتماله.. أردف ذلك الوعد بما يزيده حلاوة في النفوس فقال: ﴿وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (٨)﴾ معطوف على ﴿سَنُقْرِئُكَ﴾، وما بينهما اعتراض؛ أي: ونوفقك للشريعة السمحة التي يسهل على النفوس قبولها، ولا يصعب على العقول فهمها، واليسرى (٣): فعلى من اليسر: وهو السهولة، وضمن ﴿نُيَسِّرُكَ﴾ معنى التوفيق فعداه بدون اللام، وإلا فالعبارة المعتادة أن يقال: جعل الفعل الفلاني ميسرًا لفلان، لا
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.