أن يقال: جعل فلان ميسرًا للفعل الفلاني، كما في الآية، فإنه قيل: ونيسرك لليسرى، لا ونيسر اليسرى لك، فقد جعلت الآية الإنسان هو الميسر للفعل، وليس الفعل هو الميسر للإنسان من قبل أن الفعل لا يحصل إلا إذا وجدت العزيمة الصادقة، والإرادة النافذة لإيجاده مع التوفيق لسلوك أقوم الطرق التي توصل إليه، كما جاء في الحديث: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له"، وأتى بنون العظمة لتكون عظمة المعطي دليلًا على عظمة العطاء. وفي "الإرشاد": تعليق التيسير به - ﷺ - مع أن الشائع تعليقه بالأمور المسخرة للفاعل، كما في قوله تعالى: ﴿وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦)﴾ للإيذان بقوة تمكنه - ﷺ - من اليسرى، والتصرف فيها بحيث صار ذلك ملكة راسخة له، كأنه - ﷺ - جبل عليها، كما في قوله - ﷺ -: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له". انتهى.
والمعنى (١): ونوفقك توفيقًا مستمرًا للطريقة اليسرى؛ أي: التي هي أيسر وأسهل في كل باب من أبواب الدين والدنيا علمًا وتعليمًا واهتداءً وهداية، فيندرج فيه تيسير طريق تلقي الوحي، والإحاطة بما فيه من أحكام الشريعة السمحة، والنواميس الإلهية، مما يتعلق بتكميل نفسه - ﷺ -، وتكميل غيره، كما يفصح عنه
٩ - ﴿الفاء﴾ في قوله: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (٩)﴾؛ أي: فذكر الناس حسبما يسرناك له بما يوحى إليك، واهدهم إلى ما في تضاعيفه من الأحكام الشرعية، كما كنت تفعله إن نفع التذكير والعظة والنصيحة، وتقييد التذكير بنفع الذكرى لما أن رسول الله - ﷺ - طالما كان يذكرهم، ويستفرغ فيه جهده حرصًا على إيمانهم، وكان لا يزيد ذلك بعضهم إلا كفرًا وعنادًا، فأمر - ﷺ - بأن يخص التذكير بمدار النفع في الجملة، بأن يكون من يذكره كلًّا أو بعضًا ممن يرجى منه التذكر، ولا يتعب نفسه في تذكير من لا يزيده التذكير إلا عتوًا ونفورًا من المطبوع على قلوبهم، كما في قوله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ﴾، فحرف الشك راجع إلى النبي - ﷺ -، لا إلى الله تعالى.
وخلاصة المعنى (٢): أي فذكر الناس بما أوحينا به إليك، واهدهم إلى ما فيه من بيان الأحكام الدينية، فإن أصر المعاندون على عنادهم، ولم يزدهم وعظك إلا

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon