العرف انتهى.
١٠ - ثم بين سبحانه الفرق بين من تنفعه الذكرى ومن لا تنفعه، فقال: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (١٠)﴾؛ أي: سيتذكر بتذكيرك مَنْ من شأنه أن يخشى الله حق خشيته، أو من يخشى الله في الجملة، فيزداد ذلك بالتذكير، فيتفكر في أمر ما تذكر به، فيقف على حقيقته، فيؤمن به؛ أي: سيتعظ بوعظك من يخشى الله، فيزداد بالتذكير خشيةً وصلاحًا، وفي "التفسير الكبير" للرازي: واعلم (١) أن الناس في أمر المعاد على ثلاثة أقسام: منهم من قطع بصحة المعاد ومنهم من جوز وجوده، ولكنه غير قاطع فيه بالنفي ولا بالإثبات، ومنهم من أصر على إنكاره؛ أي: المعاد، وقطع بأنه لا يكون، فالقسمان الأولان تكون الخشية حاصلة لهما، وأما القسم الثالث.. فلا خشية له ولا خوف، فلما قال الله: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (٩)﴾ بيَّن أن الذي تنفعه الذكرى ﴿مَنْ يَخْشَى﴾، ولما كان الانتفاع بالذكرى مبنيًا على حصول الخشية في القلب، وصفات القلوب لا يطلع عليها إلا الله.. وجب على الرسول تعميم الدعوة تحصيلًا للمقصود، فإن المقصود تذكير من ينتفع بالتذكير، ولا سبيل إليه إلا بتعميم التذكير، والسين في ﴿سَيَذَّكَّرُ﴾ بمعنى: سوف، وسوف من الله واجب، كقوله: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦)﴾. اهـ "رازي".
والمعنى (٢): أي إنما ينتفع بتذكيرك من يخشى الله تعالى، ويخاف عقابه؛ لأنه هو الذي يتأمل في كل ما تذكره له، فيتبين له وجه الصواب، ويظهر له سبيل الحق الذي يجب المعول عليه. وفي التعبير بقوله: ﴿سَيَذَّكَّرُ﴾ إيماء إلى أن ما جاء به الرسول بلغ حدًا من الوضوح لا يحتاج معه إلا إلى التذكير فحسب، وإنما الذي يحول بينهم وبين اتباعه واقتفاء آثاره تقليد الآباء والأجداد، فكأنهم عرفوه واستيقنوا صحته، ثم زالت هذه المعرفة بانتهاجم خطة آبائهم من قبل،
١١ - ثم أشار إلى عدم جدواها بالنظر للمعاندين الجاحدين، فقال: ﴿وَيَتَجَنَّبُهَا﴾؛ أي: يتجنب الذكرى ويبتعد عنها، ولا يسمعها سماع قبول ﴿الْأَشْقَى﴾؛ أي: الزائد في الشقاوة من الكفرة لإصراره على الكفر، وانهماكه في المعاصي، ولتوغله في عداوة النبي - ﷺ -، مثل: الوليد بن المغيرة، وأبي جهل، وغيرهما، أو المراد بالأشقى: الكافر مطلقًا؛ لأنه

(١) تفسير الرازي.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon