١٥ - ﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ﴾ بقلبه ولسانه ﴿فَصَلَّى﴾؛ أي: أقام الصلوات الخمس كقوله: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾؛ أي: كبر تكبيرة الإحرام فصلي، فالمراد بالذكر: تكبيرة الافتتاح أول الصلاة؛ لأنها لا تنعقد إلا بها، وهو قوله: الله أكبر، لكن لا يختص الذكر عند الحنفية بأن يقول: الله أكبر؛ لعموم الذكر، ودل العطف بالفاء التعقيبية على عدم دخول التكبير في الأركان، كما تقوله الحنفية؛ لأن العطف يقتضي المغايرة بين المعطوفين، وهو حجة ضعيفة.
قال الإِمام (١): مراتب أعمال المكلف ثلاث:
فأولاها: إزالة العقائد الفاسدة عن القلب، وهي المرادة بالتزكي.
والثانية: استحضار معرفة الله بذاته وصفاته وأسمائه، وهي المرادة بالذكر؛ لأن الذكر بالقلب ليس إلا المعرفة.
والثالثة: الاشتغال بالخدمة والطاعة، وهي المرادة بالصلاة؛ فإنها عبارة عن التواضع والخشوع، فمن استنار قلبه بمعرفة جلال الله، لا بد وأن يظهر في جوارحه وأعضائه أثر الخشوع والخضوع. قال بعضهم: خلق الله وجهًا يصلح للسجدة، وعينًا تصلح للعبرة، وبدنًا يصلح للخدمة، وقلبًا يصلح للمعرفة، وسرًا يصلح للمحبة، فاذكروا نعمة الله عليكم حيث زين ألسنتكم بالشهادة، وقلوبكم بالمعرفة، وأبدانكم بالعبادة.
والمعنى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤)﴾؛ أي: قد (٢) أدرك الفلاح، وظفر بالبغية من طهر نفسه، ونقاها من أوضار الكفر، وأزال عنها أدران الشرك والآثام، ومن هذا تعلم أن تزكية النفوس إنما يكون بالإيمان بالله، ونفي الشركاء، والتصديق بكل ما جاء به رسوله - ﷺ - مع صالح العمل، ﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥)﴾؛ أي: وأحضر في قلبه صفات ربه من الجلال والكمال، فخضع لجبروته وقهره، فإن المرء متى تذكر ربه العظيم.. وجل قلبه وخاف من سطوته وامتلأت نفسه خشية منه، ورهبة لجلاله، كما قال في آية أخرى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾.
١٦ - ثم رد سبحانه على قوم ممن قست قلوبهم، ولم يأخذوا من العبادة إلا

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon