٩ - ﴿لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (٩)﴾؛ أي: لعملها الذي عملته في الدنيا حيث شاهدت ثمرته ورأت عاقبته الحميد، فاللام متعلقة بـ ﴿رَاضِيَةٌ﴾، والتقدير: راضية سعيها؛ لأنها قد أعطيت من الأجر ما أرضاها وقرت به عيونها، فلما تقدم المعمول على العامل الضعيف.. جيء باللام لتقوية العامل، ويجوز أن تكون لام التعليل؛ أي: لأجل سعيها في طاعة الله تعالي راضية جزاءها وثوابها.
١٠ - وبعد أن وصف أهل الثواب وصَفَ ديارهم بسبعة أوصاف، فقال:
١ - ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (١٠)﴾؛ أي: كائنة أو متمكنة في جنة عالية المكان، مرتفعة على غيرها من الأمكنة، فإن الجنة فوق السموات العلى، كما أن النار تحت الأرضين السبع، ولأن الجنة أيضًا منازل ودرجات بعضها أعلى من بعض، كما أن النار دركات بعضها أسفل من بعض، والدرجة مثل ما بين السماء والأرض، فتكون من العلو في المكان، وفي الحديث: "إن المتحابين في الله في غرف ينظر إليهم أهل الجنة، كما ينظر أهل الدنيا إلى كواكب السماء"، ويجوز أن يكون معنى ﴿عَالِيَةٍ﴾: علية المقدار، فتكون من العلو في القدر والشرف؛ لتكامل ما فيها من النعيم؛ لأن نعيم الجنة بعضه أرفع من بعض، فالنعيم الذي يتمتع به السابقون من الأنبياء والشهداء والصالحين، أعلى منزلة وأرفع قدرًا مما يتمتع به الذين اتبعوهم بإحسان.
٢ - ١١ ﴿لَا تَسْمَعُ﴾ أنت أيها المخاطب، فالخطاب عام لكل من يصلح له، أو لا تسمع أنت يا محمد على أن الخطاب خاص، أو لا تسمع تلك الوجوه؛ أي: أصحابها، فتكون التاء لتأنيث الفاعل، لا للخطاب. ﴿فِيهَا﴾؛ أي: في تلك الجنة العالية ﴿لَاغِيَةً﴾؛ أي: لغوًا من الكلام، وهو: ما لا يعتد به من الكلام الساقط، فهو مصدر كالعافية والعاقبة؛ أي (١): إنها منزهة عن اللغو؛ إذ أنها منزل جيران الله وأحبائه، وقد نالوها بالجد والعمل، لا باللغو، ومنازل أهل الشرف في الدنيا تكون مبرأة من اللغو والكذب والبهتان، فكيف بأرفع المجالس في جوار رب العالمين، ومالك قلوب الخلق أجمعين! أو: لا تسمع كلمة ذات لغو على أنها للنسبة، أو: نفسًا تلغو على أنها اسم فاعل صفة لموصول محذوف هو: نفس.