وقال الفراء والأخفش (١): أي لا تسمع فيها كلمة لغو، قيل: المراد بذلك: الكذب والبهتان والكفر، قاله قتادة، وقال مجاهد: أي: الشتم، وقال الفراء أيضًا: لا تسمع فيها حالفًا يحلف بكذب، وقال الكلبي: لا تسمع في الجنة حالفًا بيمين برة ولا فاجرة، وقال الفراء أيضًا: لا تسمع في كلام أهل الجنة كلمة تلغى؛ لأنهم لا يتكلمون إلا بالحكمة، وحمد اله تعالى على ما رزقهم من النعيم الدائم، وهذا أرجح الأقوال؛ لأن النكرة في سياق النفي من صيغ العموم، ولا وجه لتخصيص هذا بنوع من اللغو خاص إلا بمخصص يصلح للتخصيص، و ﴿لَاغِيَةً﴾ إما صفة موصوف محذوف؛ أي: كلمة لاغية، أو نفسًا لاغية، أو مصدر؛ أي: لا تسمع فيها لغوًا.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿لا تسمع﴾ بفتح الفوقية ونصب ﴿لَاغِيَةً﴾؛ أي: لا تسمع أنت أيها المخاطب، أو لا تسمع تلك الوجوه، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع - بخلاف عنهم -، وأهل مكة والمدينة: ﴿لَا تَسْمَعُ﴾ مبنيًا للمفعول، ورفع ﴿لَاغِيَةٌ﴾؛ أي: كلمة لاغية، أو جماعة لاغية، أو لغو، فيكون مصدرًا كالعاقبة، ثلاثة أقوال، الثالث لأبي عبيدة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو أيضًا وابن محيصن وعيسى: بالتحتية مضموم مبنيًا للمفعول، ورفع ﴿لَاغِيَةٌ﴾ لمجاز التأنيث. وقرأ الفضل والجحدري: بفتح الياء التحتية مبنيًا للفاعل، ونصب ﴿لغيةً﴾ بمعنى: لا يسمع أحد فيها لاغيةً؛ أي: لغوًا.
٣ - ١٢ ﴿فِيهَا﴾؛ أي: في تلك الجنة العالية ﴿عَيْنٌ جَارِيَةٌ﴾؛ أي: ينبوع ماء جار، والتنوين فيه للتكثير؛ أي: عيون (٣) كثيرة تجري مياهها على الدوام حيث شاء صاحبها، وهي أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، من شرب منها لا يظمأ بعدها أبدًا، ويذهب من قلبه الغل والغش والحسد والعدواة والبغضاء، والمياه الجارية من الينابيع تكون صافية، وفي منظرها مسرة للنفوس، وقرة للعيون، وقد افتخر بمثلها فرعون فقال: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾.
(٢) البحر المحيط والشوكاني.
(٣) روح البيان.