٢٣ - ﴿إِلَّا مَنْ تَوَلَّى﴾ وأعرض عن الحق، أو عن الداعي إليه بعد التذكير ﴿وَكَفَرَ﴾ وثبت على الكفر، أو أظهره.
وفي "فتح الرحمن": إلا من تولى عن الإيمان، وكفر بالقرآن أو بالنعمة. وفي "التأويلات النجمية": إلا من تولى عن الحق بالإقبال على الدنيا، وكفر؛ أي: ستر الحق بالخلق، وهو استثناء منقطع من الهاء في عليهم، و ﴿من﴾ موصولة (١) لا شرطية؛ لمكان الفاء ورفع الفعل؛ أي: لكن من تولى وكفر فإن لله الولاية والقهر، وهو المسيطر عليهم، وقيل: متصل؛ أي: فأنت مصيطر عليه إلا من تولى وكفر، وقيل: متصل من مفعول ﴿فَذَكِّرْ﴾؛ أي: فذكر عبادي إلا من انقطع طمعك من إيمانه، وتولى فاستحق العذاب الأكبر، وما بين ما اعتراض، وفي "الشهاب": ﴿مَنْ﴾: مبتدأ مضمن معنى الشرط، و ﴿فَيُعَذِّبُهُ﴾: جوابه. اهـ.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿إِلَّا﴾ حرف استثناء على الخلاف المذكور فيه، وقرأ ابن عباس وزيد بن علي وقتادة وزيد بن أسلم: ﴿ألا﴾ حرف تنبيه واستفتاح.
٢٤ - ﴿فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (٢٤)﴾ الذي هو عذاب جهنم، حرها شديد، وقعرها بعيد، ومقامعها من حديد، وإنما قيد بالأكبر؛ لأنهم قد عذبوا في الدنيا بالجوع والقحط والقتل والأسر، وقال في "فتح الرحمن": ﴿الْأَكْبَرَ﴾: عذاب جهنم، والأصغر: ما عذبوا به في الدنيا من الجوع والقحط والقتل ونحوها، ويؤيده ما قال الراغب في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى﴾ فيه تنبيه على أن كل ما ينال الكافر من العذاب قبل ذلك في الدنيا، وفي البرزخ، صغير في جنب عذاب ذلك اليوم. انتهى. وقرأ ابن مسعود (٣): ﴿فإنه يعذب الله﴾، ومعنى قوله: ﴿إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣)...﴾ إلخ، أي: إنك يا محمد، وإن كنت داعيًا ليس لك سلطان على ما في نفوسهم، فالله هو المسيطر عليهم، وصاحب السلطان على سرائرهم، فمن تولى منهم، وأعرض عن الذكرى، وجحد الحق المعروض عليه، فالله يعذبه العذاب الأكبر في الآخرة، وقد يضم إلى ذلك عذابًا في الدنيا من قتل، أو سبط الذرية، أو غنيمة للأموال إلى نحو أولئك من صنوف البلاء التي ينزلها بهم.

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon