هنا: هي ليلة المزدلفة خاصة؛ لاختصاصها باجتماع الناس فيها لطاعة الله تعالى، وقيل: ليلة القدر لسراية الرحمة فيها، واختصاصها بزيادة الثواب فيها، وقيل: إنه سبحانه أراد عموم الليل كله، وهو الظاهر الأظهر، كما مر.
وقرأ الجمهور (١): ﴿يَسْرِ﴾ بحذف الياء وصلًا ووقفًا اتباعًا لرسم المصحف، وقرأ ابن كثير وابن محيصن ويعقوب: بإثباتها وصلًا ووقفًا، وقرأ نافع وأبو عمرو: بحذفها في الوقف وإثباتها في الوصل، قال الخليل: تسقط الياء منها موافقة لرؤوس الآي، قال الزجاج: والحذف أحب إليَّ؛ لأنها فاصلة، والفواصل تحذف منها الياءات، وقال الفراء: قد تحذف العرب الياء، وتكتفي بكسر ما قبلها، وأنشد بعضهم:

كَفَّاكَ كَفٌّ مَا تَلِيْقُ دِرْهَمًا جُوْدًا وَأُخْرَى تُعْطِ بِالسَّيْفِ دَمَا
ما تليق؛ أي: ما تمسك.
والحاصل: أن الياء حذفت (٢) هنا اكتفاء بالكسر، ولسقوطها في خط المصحف، ولموافقة رؤوس الآي، وإن كان الأصل إثباتها؛ لأنها لام فعل مضارع مرفوع، والسرى: سير الليل، يقال: سرى يسري سرى ومسرى، إذا سار عامة الليل، والمراد هنا: ذهاب الليل أو إقباله، أو سير الساري فيه.
واعلم: أن نعمة (٣) الله على عباده بتعاقب الليل والنهار، واختلاف مقاديرها بحسب الأزمنة والفصول مما لا يجحدها إلا مكابر، لا جرم أقسم ربنا بهما تنبيهًا على أن تعاقبهما بتدبير مدبر حكيم، عالم بما في ذلك من المصلحة لعباده.
انظر إلى ما في إقبال الصبح من عميم النفع، فإنك لترى أنه يفرج كربة الليل، وينبه إلى إستقبال العمل، وكذلك تدرك ما في الليالي المقمرة من فائدة، فهي تستميل النفس إلى النقلة، وتيسر للناس النجعة، ويخاصة في أيام الحر الشديد في بلاد كبلاد العرب، وكذا تعرف ما في الظلام من منفعة، فإن فيه تهدأ النفوس، وتسكن الخواطر، وتستقر الجنوب في مضاجعها لتستريح من عناء العمل، وتستعين
(١) البحر المحيط والشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon