عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (١٣)}؛ أي: فأنزل الله تعالى بهم ألوانًا من البلاء، وشديد العذاب، وقد شبه سبحانه ما أوقعه بهم من صنوف العذاب، وما صبه عليهم من ضروب الهلاك بالسوط من قبل أن السوط يضرب به في العقوبات والله يوقع العذاب بالأمم عقوبةً لها على ما يقع منها من أنواع التفريط في أوامر دينه.
١٤ - ثم ذكر العلة في تعذيبه لهم، فقال: ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ يا محمد ﴿لَبِالْمِرْصَادِ﴾، والجملة (١) تعليل لما قبلها، وفيها إيذان بأن كفار قومه - ﷺ - سيصيبهم مثل ما أصاب المذكورين من العذاب، كما ينبىء عنه التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره - ﷺ -، والمرصاد (٢): المكان الذي يترقب فيه الراصدون، مفعال من: رصده، كالميقات من وقته، والباء للظرفية؛ أي: إنه لفي المكان الذي تترقب فيه السابلة، ويجوز أن يكون صيغة مبالغة، كالمطعان، والباء تجريدية، وهذا تمثيل لإرصاده تعالى بالعصاة، وأنهم لا يفوتونه، شبه حاله تعالى في كونه حفيظًا لأعمال عباده مجازيًا عليها على النقير والقطمير، ولا محيد للعباد عن أن يكون مصيرهم إلى الله تعالى، بحال من قعد على طريق السابلة يترصدهم ليظفر بالجاني، أو لأخذ المكس، أو نحو ذلك، ولا مخلص لهم من العبور إلى ذلك الطريق، ثم استعمل هنا ما كان مستعملًا هناك، كما سيأتي في مبحث البلاغة، ويقال: يعني أن ملائكة ربك على الصراط يترصدون على جسر جهنم في سبعة مواضع، فيسأل في أولها عن الإيمان، فإن سلم من النفاق والرياء نجا، وإلا تردى في النار، وفي الثاني عن الصلاة، فإن أتم ركوعها وسجودها وسائر أركانها وأقامها في مواقيتها نجا، وإلا تردى في النار، وفي الثالث عن الزكاة، وفي الرابع عن صوم شهر رمضان، وفي الخامس عن الحج والعمرة، وفي السادس عن الوضوء والغسل من الجنابة، وفي السابع عن بر الوالدين وصلة الرحم، فإن خرج منها.. قيل له: انطلق إلى الجنة، وإلا وقع في النار، والله أعلم.
والمعنى (٣): أي إن شأن ربك أن لا يفوته من شؤون عباده نقير ولا قطمير، ولا يهمل أمةً تعدت في أعمالها حدود شرائعه القويمة، بل يأخذها بذنوبها أخذ
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.