وأردت بيان أحوال الإنسان، هل هو في مراقبة ربه، فيشكر على نعمه، ويصبر على نقمه، أم لا.. فأقول لك: أما الإنسان ﴿إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ﴾ ﴿إذا﴾: ظرف مجرد عن معنى الشرط، متعلق بالخبر الآتي، و ﴿مَا﴾: زائدة؛ أي: إذا عامله ربه معاملة من يبتليه بالغنى واليسار ﴿فَأَكْرَمَهُ﴾ بالقوة والجاه، و ﴿الفاء﴾ فيه تفسيرية؛ لأن الإكرام والتنعيم عين الابتداء ﴿وَنَعَّمَهُ﴾ بالمال وسعة العيش، والفاء في قوله: ﴿فَيَقُولُ﴾ واقعة في جواب ﴿أما﴾ الشرطية، وجملة ﴿يقول﴾: خبر المبتدأ الذي هو الإنسان، والظرف المتوسط على نية التأخير، وإنما تقديمه للإيذان من أول الأمر بأن الإكرام والتنعيم بطريق الابتلاء؛ ليتضح اختلال قوله المحكي، ﴿فَإِذَا﴾ لمجرد الظرفية، وإن هذه الفاء لا تمنع أن يعمل ما بعدها فيما قبلها، فكأنه قيل: فأما الإنسان فيقول مفتخرًا فرحًا بما نال، ومسرورًا بما أعطي ﴿رَبِّي أَكْرَمَنِ﴾؛ أي: فضلني بما أعطاني من الجاه والمال حسبما كنت أستحقه وقت ابتلائه بالإنعام، ولا يخطر بباله أنه محض تفضل عليه، ليبلوه أيشكر أم يكفر.
والمعنى (١): أي إن الإنسان إذا أنعم الله عليه، وأوسع له في الرزق.. زعم أن هذا الذي هو فيه من السعة إكرام من الله له، وخيل إليه الوهم أن الله لا يؤاخذه على ما يفعل، فيطغى ويفسد في الأرض.
١٦ - ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ﴾؛ أي: وأما هو إذا ما ابتلاه ربه.. فيكون الواقع بعد ﴿أَمَّا﴾ في الفقرتين اسمًا، فتكون الجملتان متعادلتين ﴿فَقَدَرَ﴾؛ أي: ضيق ﴿عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة، وجعله على قدر كفايته، وقوت يومه ﴿فَيَقُولُ﴾ متضجرًا حزينًا: ﴿رَبِّي أَهَانَنِ﴾؛ أي: أذلني بالفقر، ولا يخطر بباله أن ذلك ليبلوه أيصبر أم يجزع، مع أنه ليس من الإهانة في شيء، ولذا لم يقل: فأهانه فقدر عليه رزقه في مقابلة: أكرمه ونعمه، بل التقتير قد يؤدي إلى كرامة الدارين في حق الفقير الصابر، أما تأديته إلى كرامة الآخرة.. فأمر ظاهر، وأما تأديته إلى كرامة الدنيا، فلأنه قد يسلم به من طمع الأعداء، فيحسن فيه اعتقاد الكبراء من أهل الدنيا، فيراجعونه ويلتمسون منه الدعاء، والتوسعة قد تفضي إلى خسران الدارين بالكفران، فيكون استدراجًا، قال بعضهم: ربما يكون التضييق