وقوله: ﴿عَلَى طَعَامِ﴾ يجوز أن يكون بمعنى إطعام، كالعطاء بمعنى: الإعطاء، والأولى أن يكون على حذف مضاف؛ أي: على بذل طعام المسكين، أو على إعطاء طعام المسكين.
١٩ - ثم بين أن إهمالهم أمر اليتيم، وخلو قلبهم من الرحمة بالمسكين، لم يكونا زهدًا في لذائذ الحياة، وتخلصًا من متاعبها، وعكوفًا على شؤون أنفسهم، بل جاء من محبتهم للمال، فقال: ﴿وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ﴾؛ أي: الميراث، وأصله (١): وراث قلبت واوه تاء، والميراث: هو المال المنتقل من الميت ﴿أَكْلًا لَمًّا﴾؛ أي: أكلًا شديدًا، واللم: الجمع، يقال: كتيبة ملمومة؛ أي: مجتمعة بعضها إلى بعض.
والمعنى: أكلًا ذا لمٍّ على حذف المضاف؛ أي: جمع بين الحلال والحرام، فإنهم لا يورثون النساء، ولا الصبيان، ويأكلون أنصباءهم الحرام مجموعةً إلى أنصبائهم الحلال.
والمعنى (٢): أي إنكم تأكلون المال الذي يتركه من يتوفى منكم أكلًا شديدًا، فتحولون بينه وبين من يستحق، وتجمعون بين نصيبكم منه، ونصيب غيركم.
٢٠ - ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠)﴾؛ أي: حبًا كثيرًا مع حرص وشره ومنع حقوق وعدم انتفاع، فإن الجم الكثير يقال: جم الماء في الحوض: إذا اجتمع فيه وكثر، والمقصود: ذمهم ببيان أن حرصهم على الدنيا فقط، وأنهم عادلون عن أمر الآخرة، وفيه إشارة إلى أن الحب للمال طبيعي، فلا يتخلص منه المرء بالكلية إلا أن يكون من الأقوياء، فكأنه أشار إلى أن حبه إذا لم يشتد لا يكون مذمومًا؛ أي: تميلون إلى جمع المال ميلًا شديدًا، ميراثًا كان أو غيره.
وخلاصة ذلك: أنكم تؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة، إذ لو كنتم ممن غلب عليه حب الآخرة.. لانصرفتم عما يترك الموتى ميراثًا لأيتامهم، ولكنكم تشاركونهم فيه، وتأخذون شيئًا لا كسب لكم فيه، ولا مدخل لكم في تحصيله وجمعه، ولو كنتم ممن استحبوا الآخرة.. لما ضربت نفوسكم على المال تأخذونه من حيث وجدتموه من حلال أو من حرام، فهذه أدلة ترشد إلى أنكم لستم على ما ادعيتم من
(٢) المراغي.