على حدة؛ أي: مصطفين صفًا بعد صف، محدقين بالجن والإنس، فيكونون سبع صفوف، وقال الضحاك: أهل كل سماء إذا نزلوا يوم القيامة كانوا صفًا محيطين بالأرض ومن فيها، ويكونون سبعة صفوف، وقيل: معنى ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢)﴾؛ أي: وتجلت (١) لأهل الموقف السطوة الإلهية وقهر الربوبية، كما تتجلى أبهة الملك للأعين إذا جاء الملك في جيوشه ومواكبه، ولله المثل الأعلى.
٣ - ٢٣ ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ﴾؛ أي: ويوم إذ كشفت جهنم للناظرين بعد أن كانت غائبة محجوبة عنهم، كقوله تعالى: ﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (٣٦)﴾؛ أي: أظهرت حتى رآها الخلق وعاينوها، وليس المراد أنها نقلت عن مكانها إلى مكان آخر، فالمجيء بها عبارة عن إظهارها حتى يراها الخلق مع ثباتها في مكانها، فإن من المعلوم أنها لا تنفك عن مكانها، و ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ منصوب بـ ﴿جيء﴾، و ﴿بِجَهَنَّمَ﴾: نائب فاعل له والباء للتعدية.
وأخرج مسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: "يؤتى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك، يجرونها حتى تنصب عن يسار العرش، لها تغيظ وزفير، فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا جاء لركبتيه يقول: يا رب نفسي نفسي"، إلا النبي - ﷺ - فيقول: "أمتي أمتي" فالمجيء (٢) بها على حقيقته، فالجر يدل على انفكاكها من مكانها، وتأوله الأولون على التجوز بأن معنى يجرون: يباشرون أسباب ظهورها، وقيل: المراد بمجيء جهنم: مجيء صورتها المثالية، ولا مناقشة فيه، فيكون كمجيء المسجد الأقصى إلى مرأى النبي - ﷺ - حين سأله قريش عن بعض أوصافه في قصة المعراج.
﴿يَوْمَئِذٍ﴾ بدل (٣) من قوله: ﴿إِذَا دُكَّتِ﴾، والعامل فيهما قوله تعالى: ﴿يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ﴾؛ أي: يوم إذ دكت الأرض دكًا دكًا، وجاء ربك والملك صفًا صفًا، يتذكر الإنسان ما فرَّط وقصر فيه من حقوق ربه، وحقوق الخلق بتفاصيله، بمشاهدة آثاره

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon