والخلاصة: أنه إذا حدثت الأحداث.. انكشفت عن الإنسان الحجب، ووضح له ما كان عليه، وذهب عنه الغفلة، وإذ ذاك يتمنى أن يعود ليعمل صالحًا، ولكن أنى له ذلك. ثم بين تذكره بقوله: ﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (٢٤)﴾؛ أي: يتمنى (١) أن يكون قد عمل صالحًا ينفعه في حياته الأخروية التي هي الحياة الحقيقة.
٢٥ - ثم بين مآله وعاقبة أمره، فقال: ﴿فَيَوْمَئِذٍ﴾؛ أي: يوم إذ يكون ما ذكر من الأحوال والأقوال.. ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (٢٦)﴾. قرأ الجمهور: ﴿لَا يُعَذِّبُ﴾ و ﴿وَلَا يُوثِقُ﴾ مبنيين للفاعل، و ﴿أَحَدٌ﴾ في الموضعين فاعل، و ﴿العذاب﴾ بمعنى: التعذيب، كالسلام بمعنى: التسليم، وكذا الوثاق بمعنى: الايثاق، كالعطاء بمعنى الإعطاء، وهو الشد بالوثاق، والوثاق: ما يشد به من الحديد والحبل، والضميران في قوله: ﴿عَذَابَهُ﴾ ﴿وَثَاقَهُ﴾ عائدان إلى الله تعالى، فهما مصدران مضافان إلى الفاعل.
٢٦ - والمعنى: لا يتولي عذاب الله ووثاقه أحد سواه، إذ الأمر كله لله، فلا يلزم أن يكون يوم القيامة معذِّب سوى الله، لكنه لا يعذِّب أحد مثل عذابه، وهو قول ابن عباس والحسن، وفي "عين المعاني": لا يعذب كعذاب الله ووثاقه في الآخرة أحدٌ في الدنيا. أو عائدان للإنسان، فيكونان مصدرين مضافين إلى المفعول، والمعنى عليه: لا يعذب أحد تعذيبًا مثل تعذيب الله هذا الكافر، ولا يوثق أحدٌ إيثاقًا مثل إيثاق الله هذا الكافر بالسلاسل والأغلال.
وقرأ ابن سيرين (٢): وابن أبي إسحاق وسوار القاضي وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبو بحرية وسلام والكسائي ويعقوب وسهل وخارجة عن أبي عمرو: بفتح الذال من ﴿يعذَّب﴾ والثاء من ﴿يوثَق﴾ مبنيين للمفعول، والضميران للإنسان، والمصدران مضافان للمفعول؛ أي: لا يعذب أحد مثل عذاب ذلك الإنسان، ولا يوثق بالسلاسل والأغلال أحد مثل وثاق ذلك الإنسان، وظاهره يقتضي أن يكون عذابه أشد من عذاب إبليس إلا أن يكون المراد أحد من هذا الجنس، كعصاة المؤمنين، فالمراد (٣) بالإنسان حينئذٍ: الكافر؛ أي: لا يعذب من ليس بكافر كعذاب

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon