الكافر، وقيل: المراد به: إبليس، ولكن يأباه ظاهر قوله: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ﴾، وقيل: المراد به: أبي بن خلف. قال الفراء: المعنى: إنه لا يعذب كعذاب هذا الكافر المعين أحد، ولا يوثق بالسلاسل والأغلال كوثاقه أحد؛ لتناهيه في الكفر والعناد، وقيل: المعنى: لا يعذب مكانه أحد، ولا يوثق مكانه أحد، فلا تؤخذ منه فدية، وهو كقوله: ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾، واختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة الكسائي، قال: وتكون الهاء في الموضعين ضمير الكافر؛ لأنه معلوم أنه لا يعذب كعذاب الله أحد. قال أبو علي الفارسي: يجوز أن يكون الضمير للكافر على قراءة الجماعة؛ أي: لا يعذب أحدٌ أحدًا مثل تعذيب هذا الكافر.
وحاصل المعنى على القراءة الأخيرة - أعني قراءة الكسائي -: أي (١) فيومئذٍ لا يصاب أحد بعذاب مثل ذلك العذاب الذي يصيب ذلك الإنسان الذي أبطره الغنى، فجحد نعمة الله عليه، أو أفسده الفقر حتى عتا في الأرض فسادًا، ولا يوثق أحد من الخلائق وثاقًا مثل هذا الوثاق الذي يوثقه ذلك الإنسان، ولا يخفى ما في ذلك من تقوية الذكر لمن له قلب يذكر ووجدان يشعر.
وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع - بخلاف عنهم -: ﴿وِثاقه﴾ بكسر الواو، والجمهور: بفتحها.
٢٧ - ولما فرغ سبحانه وتعالى من حكاية أحوال الأشقياء.. ذكر بعض أحوال السعداء، فقال: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧)﴾؛ أي: ويقال للمؤمن يومئذٍ تكرمةً له: يا أيتها النفس التي قد استيقنت الحق واطمأنت إليه، فلا يخالجها شك، ووقفت عند حدود الشرع، فلا تزعزعها الشهوات، ولا تضطرب بها الرغبات: ارجعي إلى جوار ربك دار الكرامة، والاطمئنان (٢)، والسكون بعد الانزعاج، وسكون النفس: إنما هو بالوصول إلى غاية الغايات في اليقين والمعرفة والشهود. وفي قوله تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ تنبيه على أنه بمعرفته تعالى، والإكثار من عبادته يكتسب اطمئنان النفس، وإذا وصلت إلى مقام الاطمئنان بذكر الله.. صار صاحبها

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon