رَبِّكِ}؛ أي: إلى جسدك الذي كنت فيه، واختاره ابن جرير، ويدل على هذا قراءة ابن عباس ﴿فادخلي في عبدي﴾ بالإفراد، والأول أولى.
٢٩ - ثم ذكر جميل عاقبتها فقال: ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩)﴾؛ أي: في زمرة عبادي الصالحين، وكوني من جملتهم، وانتظمي في سلكهم
٣٠ - ﴿وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)﴾ ودار كرامتي معهم، كقوله تعالى: ﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾، فالدخول في زمرة الخواص هي السعادة الروحانية، والدخول معهم في الجنات، ودرجاتها هي السعادة الجسمانية. وقيل: المراد بالنفس: الروح.
والمعنى: فادخلي في أجساد عبادي التي فارقت عنها، وادخلي دار ثوابي، ويؤيد هذا المعنى قول من قال: إن الخطاب عند البعث، وذهب بعضهم: إلى أنه عند الموت، كما مر آنفًا، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: نزلت هذه الآية، وأبو بكر جالس، فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذا!، فقال: "أما إنه سيقال لك هذا". وقيل: نزلت في حمزة بن عبد المطلب، وقيل: نزلت في عثمان بن عفان حين وقف بئر رومة، وقيل: نزلت في خبيب بن عدي الذي صلبه أهل مكة، وجعلوا وجهه إلى المدينة، فقال: اللهم إن كان لي عندك خير.. فحوِّل وجهي إلى قبلتك، فحوَّلَ الله وجهه نحوها، فلم يستطع أحد أن يحوله عنها. والمراد بالآية (١): كل نفس مطمئنة على العموم، ولا ينافي ذلك نزولها في نفس معينة، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿عِبَادِي﴾ جمعًا، وابن عباس وعكرمة والضحاك ومجاهد وأبو جعفر وأبو صالح والكلبي وأبو شيخ الهنائي واليماني: ﴿في عبدي﴾ على الإفراد، والأظهر أنه أريد به اسم الجنس، فمدلوله ومدلول الجمع واحد. وتعدى ﴿فَادْخُلِي﴾ أولًا بـ ﴿فِي﴾، وثانيًا بغير في، وذلك أنه إذا كان المدخول فيه غير ظرف حقيقي.. تعدت إليه بقي، تقول: دخلت في الأمر، ودخلت في غمار الناس، ومنه قوله: ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩)﴾ وإذا كان المدخول فيه ظرفًا حقيقيًا تعدَّت إليه في الغالب بغير وساطة في، ومنه قوله: ﴿وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)﴾، وقال بعض أهل الإشارة:
(٢) البحر المحيط.