معنى (١) الآية: يا أيتها النفس المطمئنة إلى الدنيا، ارجعي إلى الله بتركها، وسلوك سبيل الآخرة، فادخلي في عبادي الأخروية، وادخلي جنتي الصورية والمعنوية. وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إذا توفي العبد المؤمن.. أرسل الله ملكين، وأرسل إليه بتحفة من الجنة، فيقال لها: اخرجي أيتها النفس المطمئنة، اخرجي إلى روح وريحان، ورب عنك راض، فتخرج كاطيب ريح مسك وجده أحد في أنفه، والملك على أرجاء السماء يقولون: قد جاء من الأرض روح طيبة ونسمة طيبة، فلا تمر بباب إلا فتح، ولا بملك إلا صلى عليها، حتى يؤتى بها إلى الرحمن؛ أي: إلى حضوره، ومقام مخصوص من مقامات كرامته، فتسجد، ثم يقال لميكائيل: اذهب بهذه، فاجعلها مع نفس المؤمنين، ثم يؤمر، فيوسع عليه قبره سبعون ذراعًا عرضه، وسبعون ذراعًا طوله، وينبذ له فيه الريحان، فإن كان معه شيء من القرآن.. كفاه نوره، وإن لم يكن.. جعل له نور مثل نور الشمس في قبره، فيكون مثله مثل العروس، ينام فلا يوقظه إلا أحب أهله، وإذا توفي الكافر.. أرسل الله إليه ملكين، وأرسل إليه قطعة بجاد - بوزن: كتاب: كساء مخطط. اهـ "قاموس" - أنتن من كل منتن، وأخشن من كل خشن، فيقال: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى جهنم، عذاب أليم، ورب عليك غضبان.
وقال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: مات ابن عباس رضي الله عنهما بالطائف، فشهدت جنازته، فجاء طائر لم ير مثله على خلقته، فدخل نعشه، ثم لم ير خارجًا منه، فلما دفن.. تليت هذه الآية على شفير القبر، لا يرى من تلاها: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ﴾.
وحاصل معنى الآية (٢): ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (٢٩)﴾؛ أي: فادخلي في زمرة عبادي المكرمين، وانتظمي في سلكهم، وكوني في جملتهم، فالنفوس القدسية كالمرايا المتقابلة، يشرق بعضها على بعض، وكأنها تربى في هذه الدنيا بالآلام، وتزين بالمعارف والعلوم، حتى إذا فارقت الأبدان.. جعلت في أماكن متقاربة، بينها صفاء ومودة، وحسن صلة ومحبة. ﴿وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)﴾ فتمتعي فيها بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
(٢) المراغي.