أبتاه، فقال لها النبي - ﷺ -: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم"، فإذا كان أمر النبي - ﷺ - حين انتقاله هكذا، فما وجه ما ذكر من الرفق واللين في قبض أرواح المؤمنين؟.
أجيب: بأن مزاجه الشريف كان أعدل الأمزجة، فأحس بالألم أكثر من غيره، إذ الخفيف على الأخف ثقيل، وأيضًا: يحتمل أن يبتليه الله بذلك ليدعو الله في أن يجعل لأمته سهلًا يسيرًا، وأيضًا قد روي أنه طلب من الله أن يحمل عليه بعض صعوبة الموت تخفيفًا على أمته، فإنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، وأيضًا فيه تسلية أمته إذا وقع لأحد منهم شيء من ذلك الكرب عند الموت، وأيضًا لكي يحصل لمن شاهد من أهله، ومن غيرهم من المسلمين الثواب، لما يلحقهم عليه من المشقة، كما قيل بمثل ذلك في حكمة ما يشاهد من حال الأطفال عند الموت من الكرب الشديد، وأيضًا راحة الكفيل في الشدة؛ لأنها من باب الترقي في العلوم والدرجات، وأقل الأمر للناقصين كفارة الذنوب، كذا قالوا، ولكن ما فيه نص.
٣ - وقوله: ﴿وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (٣)﴾ قسم آخر معنى أيضًا بطريق (١) العطف، والسبح: المر السريع، في الماء أو في الهواء، و ﴿سَبْحًا﴾ منصوب على المصدرية بـ ﴿السابحات﴾، أقسم الله سبحانه وتعالى بطوائف من الملائكة التي تسبح في مضيها؛ أي: تسرع فينزلون من السماء إلى الأرض مسرعين، مشبهين في سرعة نزولهم بمن يسبح في الماء، وهذا من قبيل التعميم بعد التخصيص؛ لأن نزول الأولين إنما هو لقبض الأرواح مطلقًا، ونزول هؤلاء لعامة الأمور والأحوال.
والمعنى: وأقسم لكم بالملائكة التي تسبح وتسرع في نزولها إلى الأرض.. لتبعثن بعد الموت.
٤ - وقوله: ﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (٤)﴾ معطوف على ﴿السابحات﴾ بالفاء للدلالة على ترتب السبق على السبح بغير مهلة، فالموصوف واحد، ونصب ﴿سَبْقًا﴾ على المصدرية؛ أي: أقسم لكم بالملائكة التي تسبح وتسرع في النزول إلى الأرض، وتسبق سبقًا إلى ما أمروا به، ووكلوا عليه بلا مهلة؛ أي: يصلون إليه بسرعة، والسبق: كناية عن الإسراع فيما أمروا به؛ لأن السبق، وهو التقدم في السير من

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon