النار، واستدل بقوله: ﴿تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ﴾، والاستفهام فيه للإنكار. وقرأ الجمهور: ﴿فِي الْحَافِرَةِ﴾ بالألف، وقرأ أبو حيوة وأبو بحرية وابن أبي عبلة: ﴿في الحفرة﴾ بغير ألف، قيل: هما بمعنى واحد، وقيل: الحفرة هي الأرض المنتنة المتغيرة بأجساد موتاها، من قولهم: حفرت أسنانه إذا تآكلت وتغيرت.
٢ - ١١ ﴿أَإِذَا﴾ والعامل (١) في ﴿إذا﴾ مضمر يدل عليه ﴿مردودون﴾؛ أي: أئذا ﴿كُنَّا﴾ نحن ﴿عِظَامًا نَخِرَةً﴾؛ أي: بالية، نرد ونبعث مع كونها أبعد شيء من الحياة، فهو تأكيد لإنكار الرد ونفيه بنسبته إلى حالة منافية له، ظنوا أن من فساد البدن وتفرق أجزائه يلزم فساد ما هو الإنسان حقيقة، وليس كذلك، ولو سلم أن الإنسان هو هذا الهيكل المخصوص.. فلا نسلم امتناع إعادة المعدوم، فإن الله تعالى قادر على كل الممكنات، فيقدر على جمع الأجزاء العنصرية، واعادة الحياة إليها؛ لأنها متميزة في علمه، وإن كانت غير متميزة في علم الخلق، كالماء مع اللبن، فإنهما وإن امتزجا، لكن أحدهما متميز عن الآخر في علم الله، وإن كان عقل الإنسان قاصرًا عن إدراكه.
والنخر: البلى، يقال: نخر العظم والخشب - بكسر العين -: إذا بلي واسترخى، وصار بحيث لو م لتفتت، ونخرة أبلغ من ناخرة؛ لكونها من صيغ المبالغة، أو صفة مشبهة دالة على الثبوت، ولذا اختارها الأكثر، والناخرة أشبه برؤوس الآي، اختارها البعض، وقيل: النخرة غير الناخرة؛ إذ النخرة بمعنى البالية، وأما الناخرة.. فهي العظام الفارغة المجوفة التي يحصل فيها صوت من هبوب الريح من نخير النائم والمجنون، لا من النخر بمعنى: البلى. قال الراغب: النخير صوت من الأنف، وسمي خرق الأنف الذي يخرج منه النخير منخر، فالمنخران ثقبتا الأنف. وقرأ عمر (٢) وأبي وعبد الله وابن الزبير وابن عباس ومسروق ومجاهد والأخوان حمزة والكسائي وأبو بكر: ﴿ناخرة﴾ بألف، وقرأ أبو رجاء والحسن والأعرج وأبو جعفر وشيبة وابن جبير والنخعي وقتادة وابن وثاب وأيوب وأهل مكة وشبل وباقي السبعة: ﴿نَخِرَةً﴾ بغير ألف، واختار (٣) القراءة الأولى الفراء وابن جرير وأبو معاذ النحوي، واختار القراءة الثانية أبو عبيد وأبو

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon