وإنما قالوا هذا لأنهم أوعدوا بالنار.
١٣ - وقوله: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ﴾ جواب (١) من الله عن مقالتهم بالإنكار، وتعليل لما يدل عليه ما تقدم من استبعادهم لبعث العظام النخرة، وإحياء الأموات؛ أي: لا تستبعدوا تلك الكرة، ولا تحسبوها صعبة على الله سبحانه، فإنها سهلة هيئة في قدرته تعالى، فإنما هي؛ أي: تلك الكرة والرجعة ﴿زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾؛ أي: صيحة واحدة؛ أي: حاصلة بصيحة واحدة لا تكرر، يسمعونها وهم في بطون الأرض، وهي النفخة الثانية كنفخ واحد في صور الناس؛ لإقامة القافلة، عبر عن الكرة بالزجرة تنبيهًا على كمال اتصالها بها، كأنها عينها يقال: زجر البعير إذا صاح.
١٤ - ﴿فَإِذَا هُمْ﴾؛ أي: فإذا الخلائق الذين قد ماتوا ودفنوا أحياء ﴿بِالسَّاهِرَةِ﴾؛ أي: على وجه الأرض. قال الواحدي (٢): المراد بالساهرة: وجه الأرض وظاهرها في قول الجميع. قال الفراء: سميت بهذا الاسم؛ لأن فيها نوم الحيوان وسهرهم، يقال: سهر إذا لم ينم، وقيل: لأنه يسهر في فلاتها خوفًا منها، فسميت بذلك. وقيل: أرض من فضة لم يعص الله سبحانه فيها، خلقها الله سبحانه حينئذٍ. وقيل: الساهرة: الأرض السابعة، يأتي بها الله سبحانه فيحاسب عليها الخلائق. وقال سفيان الثوري: الساهرة: أرض الشام. وفي الحديث: "بيت المقدس أرض المحشر والمنشر". وقال قتادة: هي جهنم؛ أي: فإذا هؤلاء الكفار في جهنم، وإنما قيل لها ساهرة؛ لأنهم لا ينامون فيها لاستمرار عذابهم.
و ﴿إذا﴾ الفجائية تقيد (٣) حدوث ما أنكروه بسرعة على فجأة؛ أي: فإذا هم فاجؤوا الحصول بها، وهو بيان لحضورهم الموقف عقب الكرة التي عبر عنها بالزجرة. وقيل: الساهرة: الأرض البيضاء المستوية، سميت بذلك؛ لأن السراب يجري فيها، من قولهم: عين ساهرة؛ أي: جارية الماء، وفي ضدها نائمة، يعني: أن بياض الأرض عبارة عن خلوها عن الماء والكلأ، شبِّه جريان السراب فيها بجريان الماء عليها. فقيل لها: ساهرة. وفي "التأويلات النجمية": ﴿فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)﴾؛ أي: فإذا هم بظهر أرض الحياة، كما كانوا قبله ببطن أرض الممات، وقال المولى الفناري في تفسير الفاتحة: إن الناس إذا قاموا من قبورهم، وأراد الله

(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon