سبحانه أن يبدل الأرض غير الأرض.. تمد الأرض بإذن الله، ويكون المحشر عليها، فيكون الخلق عليه عندما يبدل الله الأرض كيف يشاء؛ إما بالصورة، وإما بأرض أخرى ما هم عليها، تسمى بالساهرة، فيمدها سبحانه مد الأديم، ويزيد في سعتها أضعاف ما كانت من أحد وعشرين جزءًا إلى تسعة وتسعين جزءًا، حتى لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا.
وحاصل المعنى (١): ألا تستبعدوا ذلك وتظنوه عسيرًا شاقًا علينا، فإنما هي صيحة واحدة، وهي النفخة الثانية التي يبعث الله بها الموتى، فإذا الناس كلهم على سطح الأرض أحياء، ونحو الآية قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (١٥)﴾.
وخلاصة هذا: لا تحسبوا أن هذه الرجعة عسيرة شاقة علينا، فما إعادتكم التي ظننتموها صعبة إلا أن نأمر ملكًا من ملائكتنا أن يصيح صيحة واحدة، فإذا أنتم جميعًا لدينا محضرون، لا يتخلف منكم أحد، ولا يستطيع التخلف إن أراد.
١٥ - وقوله: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (١٥)﴾ كلام مستأنف مسوق لتسلية رسول الله - ﷺ - على تكذيب قومه بأن يصيبهم مثل ما أصاب من كان أقوى منهم وأعظم، يعني: فرعون، ومعنى (٢) هل أتاك: إن قدر أن هذا أول ما أتاه من حديثه يكون ترغيبًا له في استماع حديثه، وحملًا له على طلب الإخبار، كأنه قيل: هل أتاك حديث موسى قبل هذا، أم أنا أخبرك به؟ كما قال الحسن رحمه الله تعالى: إعلام من الله لرسوله حديث موسى، كقول الرجل لصاحبه: هل بلغك ما لقي أهل البلد، وهو يعلم أنه لم يبلغه، وإنما قال ليخبره به. انتهى. وإن قدر إتيانه قبل هذا، وهو المتبادر من الإيجاز في الاقتصاص يكون تقريرًا له؛ أي: حملًا له على الإقرار بأمر يعرفه قبل ذلك؛ أي: أليس قد أتاك حديثه، يعني: قد جاءك وبلغك حديثه عن قريب، كأنه لم يعلم بحديث موسى، وأنه لم يأته بعد، وإلا لما كان يتحزن على إصرار الكفار على إنكار البعث، وعلى استهزائهم به، بل يتسلى بذلك، فـ ﴿هَلْ﴾ بمعنى قد المقربة للحكم إلى الحال، وهمزة الاستفهام قبلها محذوفة، وهي للتقرير، وزيد ليس لأنه أظهر دلالة على ذلك؛ لأنه مقدر في النظم، كأنه قيل: أليس قد أتاك
(٢) روح البيان.