حديث موسى
١٦ - ﴿إِذْ نَادَاهُ﴾؛ أي: نادى موسى وكلمه ﴿رَبَّهُ﴾ وخالقه ومالكه ظرف للحديث، والمناداة والنداء بمعنى واحد، وفي "القاموس": النداء: الصوت؛ أي: هل أتاك يا محمد حديث موسى وخبره الواقع حين ناداه؛ إذ المراد: خبره الحادث، فلا بد له من زمان يحدث فيه، لا ظرف للإتيان لاختلاف وقتي الإتيان والنداء؛ لأن الإتيان لم يقع في وقت النداء، أو مفعول لاذكر المقدر، وعيه وضع السجاوندي علامة الوقف اللازم على موسى، وقال: لأنه لو وصل.. صار ﴿إِذْ﴾ ظرفًا لإتيان الحديث، وهو محال. لعله لم يلتفت إلى عمل حديث لكونه هنا اسمًا بمعنى الخبر مع وجود فعل قوي في العمل قبله، وبالجملة: لا يخلو عن إيهام، فالوجه الوقف، كما في بعض التفاسير. ﴿بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ﴾؛ أي المبارك المطهر بتطهير الله عما لا يليق حين مكالمته مع كليمه، أو سمي مقدسًا لوقوعه في حدود الأرض المقدسة المطهرة عن الشرك ونحوه، وأصل الوادي (١): الموضع الذي يسيل فيه الماء، ومنه سمي المنفرج بين الجبلين: واديًا، والجمع: أودية، ويستعار للطريقة، كالمذهب والأسلوب، فيقال: فلان في وادٍ غير واديك. ﴿طُوًى﴾ بدل من ﴿الواد﴾ بدل كل من كل، أو عطف بيان، وهو بضم الطاء والتنوين تأويلًا له بالمكان، أو بغير تنوين تأويلًا له بالبقعة، وهو معدول من طاوٍ، كما عدل عمر عن عامر، قال الفراء: الصرف أحب إليّ من منعه إذا. لم أجد في المعدول نظيرًا له، أي: لم أجد اسمًا من الوادي عدل عن جهته غير طوى، وهو اسم للوادي الذي بين المدينة ومصر، وقيل: ﴿طُوًى﴾ معناه: يا رجل بالعبرانية، فكأنه قيل: يا رجل اذهب إلى فرعون، وقيل: اسم وادٍ عند الطور بين: أيلة ومصر، وإنما سمي ﴿طُوًى﴾ لكثرة ما مشت عليه الأنبياء، وقيل: ﴿طُوًى﴾ معناه: يا رجل بالعبرانية، فكأنه قيل: يا رجل اذهب إلى فرعون، وقيل: المعنى: إن الوادي المقدس بورك فيه مرتين، والأول أولى.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بضم الطاء غير منون، وقرأ الباقون: بضم الطاء منونًا، وروى عن أبي عمرو بكسر الطاء.
١٧ - وقوله: ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ﴾؛ أي: فقال له: اذهب إلى فرعون، وقيل: هو

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon