وفي الحديث: "إذا دخل النور في القلب انشرح"؛ أي: انفسح واحتمل البلاء، وحفظ سر الربوبية، كما قال موسى عليه السلام: ﴿قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي﴾؛ أي: وسع قلبي حتى لا يضيق بسفاهة المعاندين ولجاجهم، بل يحتمل أذاهم، والصدر: ما بين النحر والبطن، والمراد هنا القلب، من إطلاق المحل وإرادة الحال، والحكمة في زيادة ﴿لَكَ﴾ الإيذان بأن الشرح من منافعه ومصالحه عليه السلام، كأنه تعالى قال: إنما شرحنا صدرك لأجلك، لا لأجلي، وإنما خص (١) الصدر؛ لأنه محل أحوال النفس من العلوم والإدراكات.
والمراد من الآية: الامتنان عليه - ﷺ - بفتح صدره، وتوسيعه حتى قام بما قام به من الدعوة، وقدر على ما قدر عليه من حمل أعباء النبوة وحفظ الوحي.
وفي "التأويلات النجمية": يشير إلى انفساح قلبه بنور النبوة، وحمل همومها بواسطة دعوة الثقلين، وانشراح صدر سره بضياء الرسالة، واحتمال مكاره الكفار وأهل النفاق، وانبساط صدر نوره بأشعة الولاية، وتحققه بالعلوم اللدنية، والحكم الإلهية، والمعارف الربانية، والحقائق الرحمانية.
وأما شرح الصدر الصوري، فقد وقع مرارًا: مرة وهو ابن خمس، أو ست لإخراج مغمز الشيطان؛ وهو الدم الأسود الذي به يميل القلب إلى المعاصي، ويعرض عن الطاعة، ومرة عند ابتداء الوحي، ومرة ليلة المعراج.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿نَشْرَحْ﴾ بجزم الحاء لدخول الجازم، وقرأ أبو جعفر: بفتحها وخرجه ابن عطية في كتابه على أنه: ألم نشرحن، فأبدل من النون ألفًا، ثم حذفها تخفيفًا، ولهذه القراءة تخريج أحسن من هذا كله، وهو أنه لغة لبعض العرب حكاها اللحياني في "نوادره" وهي الجزم بلن، والنصسب بلم، عكس الاستعمال المعروف عند الناس، وأنشد قول عائشة بنت الأعجم تمدح المختار بن أبي عبيد، وهو القائم بثأر الحسين بن علي رضي الله عنهما:
قَدْ كَانَ سَمْكُ الْهُدَى يَنْهَدُّ قَائِمُهُ | حَتَّى أُتِيْحَ لَهُ الْمُخْتَارُ فَانْعَمَدَا |
فِيْ كُلِّ مَا هَمَّ أَمْضَى رَأْيَهُ قُدُمًا | وَلَمْ يُشَاوِرَ فِيْ إِقْدَامِهِ أَحَدَا |
(٢) البحر المحيط.