والمعنى: أن مع العسر الذي في الدنيا للمؤمن يسرًا في الآخرة، وربما اجتمع له اليسران يسر الدنيا؛ وهو ما ذكره في الآية الأولى، ويسر الآخرة؛ وهو ما ذكره في الآية الثانية، فقوله: "لن يغلب عسر يسرين". أي: إن عسر الدنيا لن يغلب اليسر الذي وعده الله المؤمنين في الدنيا واليسر الذي وعدهم في الآخرة، إنما يغلب أحدهما وهو يسر الدنيا، فأما يُسر الآخرة فدائم أبدًا غير زائل؛ أي: لا يجتمعان في الغلبة، فهو كقوله - ﷺ -: "شهرا عيد لا ينقصان"؛ أي: لا يجتمعان في النقص، قال القشيري: كنت يومًا في البادية بحالة من الغم، فألقي في روعي بيت شعر، فقلت:
| أَرَى الْمَوْتَ لِمَن أَصْبَحَ | مَغْمُوْمًا لَهُ أَرْوَحْ |
فلما جن الليل سمعت هاتفًا يهتف في الهواء:
| أَلَا يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ الْـ | لَذِيْ الْهَمُّ بِهِ بَرَّحْ |
| وَقَدْ أَنْشَدْتَ بَيْتًا لَمْ | يَزَلْ في فِكْرِهِ يَسْبَحْ |
| إِذَا اشْتَدَّ بِكَ الْعُسْرُ | فَفَكّرْ فِيْ أَلَمْ نَشْرَحْ |
| فَعُسْرٌ بَيْنَ يُسْرَيْنِ | إِذَا أَبْصَرْتَهُ فَافْرَحْ |
قال: فحفظت الأبيات ففرَّج الله عني، وقال إسحاق بن بهلول القاضي:
| فَلَا تَيْأَسْ إِذَا أَعْسَرْتَ يَوْمًا | فَقَدْ أَيْسَرْتَ فِيْ دَهْرِ طَوِيْلِ |
| وَلَا تَظْنُنْ بِرَبَّكَ ظَنَّ سُوْءٍ | فَإِنَّ الله أَوْلَى بِالْجَمِيْلِ |
| فَإِنَّ الْعُسْرَ يَتْبَعُهُ يَسَارٌ | وَقَوْلُ الله أَصْدَقُ كُلِّ قِيْلِ |
وقال أحمد بن سليمان في المعنى:| تَوَقَّعْ لِعُسْرٍ دَهَاكَ سُرُوْرَا | تَرَى الْعُسْرَ عَنْكَ بِيُسْرٍ تَسَرَّى |
| فَمَا الله يُخْلِفُ مِيْعَادَهُ | وَقَدْ قَالَ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرَا |
وقال غيره:| وَكُلُّ الْحَادِثَاتِ إِذَا تَنَاهَتْ | يَكُوْنُ وَرَاءَهَا فَرَجٌ قَرِيْبُ |
وقرأ الجمهور: بسكون السين في العسر واليسر في الموضعين، وقرأ يحيى بن