وثاب وأبو جعفر وعيسى بضمها في الجميع.
وعبارة "المراغي" هنا: قوله: ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (٤)﴾؛ أي: وجعلناك على الشأن رفيع المنزلة عظيم القدر، وأي منزلة أرفع من النبوة التي منحكها الله سبحانه، وأي ذكر أنبه من أن يكون لك في كل طرف من أطراف المعمورة أتباع يمتثلون أوامرك، ويجتنبون نواهيك، ويرون طاعتك مغنمًا، ومعصيتك مغرمًا؟ وهل من فخار بعد ذكرك في كلمة الإيمان مع العلي الرحمن، وأي ذكر أرفع من ذكر من فرض الله على الناس الإقرار بنبوته، وجعل الاعتراف برسالته بعد بلوغ دعوته شرطًا في دخول جنته؟ هذا إلى أنه - ﷺ - أنقذ أممًا كثيرة من رق الأوهام، وفساد الأحلام، ورجع بهم إلى الفطرة الأولى من حرية العقل، والإرادة والإصابة في معرفة الحق، ومعرفة من يُقصَد بالعبادة، فاتحدت كلمتهم في الاعتقاد بإله واحد، بعد أن كانوا متفرقين طرائق قددًا، عُبَّاد أصنام وأوثان وشموس وأقمار، لا يجدون إلى الهدى سبيلًا، ولا للوصول إلى الحق طريقًا، فازاح عنهم تلك الغمة، وأنار لهم طريق الهدى والرشاد.
وقوله: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥)﴾؛ أي: فإن مع الضيق فرجًا، ومع قلة الوسائل إلى إدراك المطلوب مخرجًا إذا تدرع المرء بالصبر، وتوكل على ربه، ولقد كان هذا حال النبي - ﷺ -، فإنه قد ضاق به الأمر في بادىء أمره قبل النبوة وبعدها؛ إذ تألب عليه قومه، لكن لم يثنه ذلك عن عزمه، ولم يفلل من حده، بل صبر على مكروههم، وألقى بنفسه في غمرات الدعوة متوكلًا على ربه محتسبًا نفسه عنده، راضيًا بكل ما يجد في هذا السبيل من أذى، ولم تزل هذه حاله حتى قيَّض الله له أنصارًا أُشرِبت قلوبهم حُبَّه، ومُلئت نفوسهم بالرغبة الصادقة في الدفاع عنه وعن دينه، ورأوا أن لا حياة لهم إلا بهدم أركان الشرك والوثنية، فاشتروا ما عند الله تعالى من جزيل الثواب بأرواحهم وأموالهم وأزواجهم، ثم كان منهم من قوَّض دعائم الأكاسرة، وأباد جيوش الأباطرة والقياصرة.
وقصارى ذلك: أنه مهما اشتد العسر وكانت النفس حريصة على الخروج منه، طالبة كشف شدته، مستعملة أجمل وسائل الفكر والنظر في الخلاص منه، معتصمة بالتوكل على ربها، فإنها ولا ريب ستخرج ظافرة مهما أقيم أمامها من عقبات، واعترضها من بلايا ومحن.


الصفحة التالية
Icon