الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يخرفون ولا يهرمون، ولا تذهب عقولهم، ووجه كون الاستثناء منقطعًا: أن الهرم والرد إلى أرذل العمر، يصاب به المؤمن، كما يصاب به الكافر، فلا يكون لاستثناء المؤمنين على وجه الاتصال معنى، وعلى المعنى الثاني يكون الاستثناء متصلًا من ضمير ﴿رَدَدْنَاهُ﴾، فإنه في معنى الجمع؛ أي: رددنا الإنسان أسفل سافلين من النار إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، قال القرطبي: والاستثناء على قول من قال: ﴿أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾ الهرم منقطع، وعلى قول من قال: إنه النار فهو متصل. انتهى.
﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾؛ أي: غير منقوص ولا مقطوع، بل أجرهم موصول، ورزقهم موفور من رب كريم عظيم يعطي الجزيل؛ أي: فلهم ثواب دائم غير منقطع على طاعتهم، وصبرهم على الابتلاء بالشيخوخة والهرم، وعلى مقاساة المشاق، والقيام بالعبادة على ضعف نهوضهم، ويجوز أن يكون المعنى: غير ممنون عليهم؛ أي: لا يمن به عليهم، ومن كمال صفات الثواب أن يكون موصولًا غير مقطوع، وأن لا يكون منغصًا بالمنة والتعالي بإظهار الفضل على من صدر الفضل إليهم.
فهذه الجملة على المعنى الأول مبينة لكيفية حال المؤمنين (١)، وعلى المعنى الثاني مقررة لما يفيده الاستثناء من خروج المؤمنين عن حكم الرد إلى النار، وقال: ﴿أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾ على الجمع؛ لأن الإنسان في معنى الجمع، ولو قال: أسفل سافل.. لجاز؛ لأن الإنسان باعتبار اللفظ واحد، وقيل معنى قوله: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (٥)﴾ رددناه إلى الضلال، كما قال: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)﴾؛ أي: إلا هؤلاء، فلا يردون إلى ذلك.
وعبارة "الخازن" هنا: وعلى القول الأول (٢): يكون الاستثناء منقطعًا، والمعنى: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (٥)﴾: فزال عقله وانقطع عمله، فلا تُكتب له حسنة، لكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولازموا عليها إلى أيام الشيخوخة والهرم والضعف، فإنه يُكتب لهم بعد الهرم والخرف مثل الذي كانوا يعملونه في حالة الشباب والصحة.
(٢) الخازن.