وقال ابن عباس: هم نفر ردوا إلى أرذل العمر في زمن النبي - ﷺ -، فأنزل الله عذرهم، وأخبرهم أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم، فعلى هذا القول السبب خاص، وحكمه عام، قال عكرمة: ما يضر هذا الشيخ كِبَرُه إذا ختم الله له عمله بأحسن ما كان يعمل، ورُوي عن ابن عباس: إلا الذين قرؤوا القرآن، وقال: من قرأ القرآن لم يُرد إلى أرذل العمر، وقال أبو الليث: ﴿إِلَّا الَّذِينَ...﴾ إلخ يعني: لا يخرف ولا يذهب عقل من كان عالمًا عاملًا، وفي الحديث: "طوبى لمن طال عمره وحسن عمله"، والفاء (١) في قوله: ﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ﴾ في دار الكرامة؛ لأنها المحل، له رابطة على القول الأول؛ لتضمن الموصول معنى الشرط، وتعليلية على القول الثاني؛ أي: لا يغير صورهم في النار؛ لأنهم مثابون في الجنة، وفي "التيسير" عن رسول الله - ﷺ -: إن العبد إذا مرض من سافر.. كُتب له مثل ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا، أخرجه البخاري وأحمد وغيرهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وكذا رُوي في الهرم، وفي "تفسير أبي الليث" رُوي عن النبي - ﷺ - أنه قال: "إن المؤمن إذا مات صعد الملكان إلى السماء، فيقولان: إن عبدك فلانًا قد مات، فائذن لنا حتى نعبدك على السماء، فيقول الله سبحانه: إن سمواتي مملوءة بملائكتي، ولكن اذهبا إلى قبره واكتبا حسناته إلى يوم القيامة".
٧ - ﴿فَمَا يُكَذِّبُكَ﴾ يا محمد، من يا أيها الإنسان خطابًا على طريق الالتفات ﴿بَعْدُ﴾؛ أي: بعد هذه الحجة القاطعة، والبرهان الساطع، و ﴿بَعْدُ﴾ مبني على الضم؛ لحذف المضاف إليه ونيته، والاستفهام للتقريع والتوبيخ وإلزام الحجة إن كان الخطاب للإنسان، وللتعجب إن كان الخطاب للرسول - ﷺ - ﴿بِالدِّينِ﴾؛ أي: بالحساب والجزاء، والمعنى: على أن الخطاب (٢) للإنسان؛ أي: إذا عرفت أيها الإنسان أن الله خلقك في أحسن تقويم، وأنه يردك أسفل سافلين، فما يحملك على أن تكذب بالبعث والجزاء؛ أي: فما الذي يلجئك (٣) إلى هذا الكذب ألا تتفكر في صورتك وشبابك ومبدأ خلقك وهرمك، فتعتبر وتقول: إن الذي فعل ذلك قادر على أن يبعثني ويحاسبني؛ أي: فأي شيء يجعلك أيها الإنسان مكذبًا بالدين والجزاء منكرًا له بعد هذا الدليل.

(١) روح البيان بتصرف.
(٢) الشوكاني.
(٣) الخازن.


الصفحة التالية
Icon