أهله وجيرانه، وعلى هذا المعنى، فالاستثناء الآتي منقطع، والمعنى حينئذ، ثم رددناه أسفل سافلين، فزال عقله، وانقطع عمله، فلا يُكتب له حسنة، لكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ولازموا عليها إلى أيام الشيخوخة والهرم والضعف، فإنه يكتب له بعد الهرم والخرف مثل الذي كانوا يعملونه في حال الشباب والصحة، وإما عصاة المؤمنين، فيكون الاستثناء على هذا متصلًا، والمعنى: رددناه أسفل ممن سفل خلقًا وتركيبًا حسًا ومعنًى، وهو أهل النار إلا الذين آمنوا الخ، فيكون بمعنى قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ﴿فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾؛ أي: غير مقطوع، بل متصل دائم، مِن مَنَّهُ مَنًّا إذا قطعه قطعًا، أو غير ممنون به عليهم، فإن المنة تكدّر النعمة، مِنْ مَنَّ عليه مِنَّة، والأول هو الظاهر، ولعل المراد من الثاني: تحقيق الأجر وإثباته، وأن المأجور استحق الأجر بعمله إطاعة لربه، وإن كان ذلك الاستحقاق من فضل الله تعالى.
﴿بِالدِّينِ﴾ والدين: الجزاء بعد البعث، كما مر.
البلاغة
وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١)﴾ بإطلاق الحال وإرادة المحل على القول بأنه أراد موضعهما، وهو دمشق وبيت المقدس على ما رجحه ابن جرير.
ومنها: المجاز العقلي في قوله: ﴿الْبَلَدِ الْأَمِينِ﴾ من إسناد ما للشيء إلى مكانه؛ لأن الأمن إنما يكون لمن فيه.
ومنها: الطباق بين ﴿أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ وبين ﴿أَسْفَلَ سَافِلِينَ﴾.
ومنها: الاستخدام في قوله: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ﴾ حيث ذكر الإنسان أولًا بمعنى وهو الجنس، ثم أعاد الضمير عليه بمعنى آخر وهو الإنسان بمعنى بعض أفراده، والاستخدام عند البديعيين: ذكر الشيء بمعنى، وإعادة الضمير عليه بمعنى آخر، كما هنا.