يَفُوْزُ بِهِ مَنْ فَازَ عِزًّا لِدِيْنِهِ وَيشْقَى بِهِ الْغَاوِيْ الشَّقِي الْمُضَلَّلُ
فَرِيْقَانِ مِنْهُمْ فِرْقَةٌ فِيْ جِنَانِهِ وَأُخَرَى بِأَغْلَالِ الْجَحِيْمِ تُغَلَّلُ
ومكث - ﷺ - مدة لا يرى جبريل، وإنما كان كذلك؛ ليذهب عنه ما كان يجده من الرعب، وليحصل له التشوق إلى العود، وكانت مدة الفترة؛ أي: فترة الوحي بين ﴿اقْرَأْ﴾ وبين ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)﴾، وتوفي ورقة في هذه الفترة، ودُفن بالحجون، وقد آمن به - ﷺ - وصدّقه قبل الدعوة التي هي الرسالة، ولذا قال - ﷺ -: "لقد رأيته في الجنة، وعليه ثياب الحرير"، ثم نزل: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢)﴾، فظهر الفرق بين النبوة والرسالة.
والجار والمجرور في قوله: ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ متعلق بمحذوف حال من فاعل ﴿اقْرَأْ﴾، ومفعول ﴿اقْرَأْ﴾ محذوف تقديره: اقرأ يا محمد ما يوحى إليك، أو ما نزل عليك، أو ما أُمرت بقراءته حال كونك متلبسًا باسم ربك، أو مستعينًا باسم ربك، أو مفتتحًا باسم ربك، أو متبركًا باسم ربك، أو مبتدئًا باسم ربك؛ ليتحقق مقارنته لجميع أجزاء المقروء؛ أي: قل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثم اقرأ، فعُلِم أن ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك﴾ نزلت من غير بسملة، وقد صرَّح بذلك الإِمام البخاري - رحمه الله تعالى - أمره بذلك؛ لأن ذكر اسم الله قوة له في القراءة، وأنس بمولاه، فإن الإنس بالاسم يُفضي إلى الإنس بالمسمى، والذكر باللسان يؤدي إلى الذكر بالجنان.
قال في "الكواشي": دخلت ﴿الباء﴾ في ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك﴾؛ لتدل على الملازمة والتكرير، كأخذت بالخطام، ولو قلت: أخذت الخطام لم يدل على التكرير والدوام، وقيل (١): ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ هو المفعول، وهو المأمور بقراءته، كما تقول: اقرأ الحمد لله، وقيل المعنى: اقرأ في أول كل سورةٍ وقراءةٍ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وقال الأخفش: ﴿الباء﴾ بمعنى على؛ أي: اقرأ على اسم الله، كما قالوا في قوله: ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ﴾؛ أي: على اسم الله، وقال أبو عبيدة: ﴿الباء﴾: زائدة، والمعنى: اذكر اسم ربك، وقال أيضًا: الاسم صلة، والمعنى: اقرأ بعون ربك وتوفيقه، وجاء بـ ﴿اسم ربك﴾ ولم يأت بلفظ الجلالة: لما في لفظ
(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon