والمعنى: أي اقرأ ما يوحى إليك يا محمد متبركًا باسم ربك الذي له الخلق والمستأثر به لا خالق سواه، فيكون ﴿خَلَقَ﴾ مُنَزَّلًا منزلة اللازم، وبه يتم مراد المقام؛ لدلالته على أن كل خلق مختص به، من المعنى: الذي خلق كل شيء، فيكون من حذف المفعول؛ للدلالة على التعميم.
وقال في "فتح الرحمن": لما ذكر الرب، وكانت العرب في الجاهلية تسمي الأصنام أربابًا، جاء بالصفة التي لا شركة للأصنام فيها، فقال: ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾، ومعنى الآية: أي (١): صر يا محمد قارئًا بقدرة الله الذي خلقك وإرادته بعد أن لم تكن كذلك، فإنه - ﷺ - لم يكن قارئًا ولا كاتبًا، وقد جاءه الأمر الإلهي بأن يكون قارئًا وإن لم يكن كاتبًا، وسينزل عليه كتابًا يقرؤه وإن كان لا يكتبه.
وقصارى ذلك: أن الذي خلق الكائنات وأوجدها قادر أن يوجد فيها قراءة وإن لم يسبق لك تعلمها.
فائدة: ذكر السيوطي في "إتقانه": أن أول سورة اقرأ مشتمل على نظير ما اشتملت عليه الفاتحة من براعة الاستهلال؛ لكونها أول ما نزل من القرآن، فإن فيها الأمر بالقراءة، وفيها البداءة باسم الله، وفيها الإشارة إلى علم الأحكام، وفيها ما يتعلق بالأخبار من قوله: ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)﴾، ولهذا قيل: إنها جديرة بأن تسمى عنوان القرآن؛ لأن عنوان الكتاب يجمع مقاصده بعبارة وجيزة في أوله اهـ "ابن لقيمة على البيضاوي".
فائدة أخرى: قوله: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ ظاهره (٢) أن هذه الجملة ليست من القرآن؛ لأن الأمر بتحصيل الشيء غير ذلك الشيء، ولكن قام الإجماع على أنها من جملة القرآن خصوصًا مع إثباتها في المصاحف بخطها سلفًا وخلفًا من غير نكير، فعُلم منه أنها من جملة القرآن تأمل.
وفائدة أخرى: بسم الله تُكتب من غير ألف استغناء عنها بباء الإلصاق في اللفظ والخط؛ لكثرة الاستعمال بخلاف قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ فإنها لم تُحذف فيه؛ لقلة الاستعمال، واختلفوا في حذفها من الرحمن والقاهر، فقال الكسائي وسعيد بن الأخفش: تحذف الألف، وقال يحيى بن وثاب: لا تُحذف إلا
(٢) الفتوحات.