مع اسم الله فقط؛ لأن الاستعمال إنما كثر فيه، اهـ من القرطبي في أول "تفسيره".
٢ - وقوله: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾؛ أي: بني آدم تخصيص (١) لخلق الإنسان بالذكر من بين سائر المخلوقات؛ لاستقلاله ببدائع الصنع والتدبير على القول بأن ﴿خَلَقَ﴾ الأول لازم بمعنى اتصف بالخلق واستأئر به، وأما على القول بأن خَلَقَ الأول متعد حُذف مفعوله، فهو تخصيص لخلق الإنسان بالذكر والبيان بعد التعميم تفخيمًا لشأنه؛ إذ هو أشرفهم، وعليه نزل التنزيل، وهو المأمور بالقراءة، ويجوز أن يراد بالفعل الأول أيضًا خلق الإنسان، ويقصد بتجريده عن المفعول الإبهام، ثم التفسير رومًا لتفخيم شأنه.
﴿مِنْ عَلَقٍ﴾؛ أي: خلق الإنسان من دمٍ جامد جمع علقة، كثمر وثمرة، وهي الدم الجامد، وإذا جرى فهو المسفوح؛ أي: خلقه من دم جامد رطب يعلق بما مر عليه، لبيان كمال قدرته تعالى بإظهار ما بين حالته الأولى والآخرة من التباين البين، وإيراده (٢) بلفظ الجمع حيث لم يقل: علقة بناء على أن الإنسان في معنى الجمع؛ لأن الألف فيه للاستغراق من للجنس، والمعنى: الذي خلق جنس الإنسان من جنس العلق، من لمراعاة الفواصل، ولعله هو السر في تخصيصه بالذكر من بين سائر أطوار الفطرة الإنسانية مع كون النطفة والتراب أدل منه على كمال القدرة؛ لكونهما أبعد منه بالنسبة إلى الإنسانية.
ولما كان خلق الإنسان أول النعم الفائضة عليه منه تعالى، وأقوم الدلائل الدالة على وجوده تعالى، وكمال قدرته وعلمه وحكمته.. وصف ذاته تعالى بذلك أولًا؛ ليسششهد - ﷺ - به على تمكينه تعالى له من القراءة، وفي "حواشي ابن الشيخ": إن الحكيم سبحانه وتعالى لو قال له حين أراد أن يبعثه رسولًا إلى المشركين: اقرأ باسم ربك الذي لا شريك له.. لأبوا أن يقبلوا ذلك منه، لكنه تعالى قدم في ذلك مقدمة تلجئهم إلى الاعتراف به حيث أمر رسوله أن يقول لهم: إنهم هم الذين خُلِقوا من العلقة ولا يمكنهم إنكاره، ثم أن يقول لهم: لا بد للفعل من فاعل، فلا يمكنهم أن يضيفوا ذلك الفعل إلى الوثن؛ لعلمهم بأنهم نحتوه، فبهذا التدريج يقرون بأني أنا المستحق للثناء دون الأوثان؛ لأن الإلهية موقوفة على الخالقية، ومن لم
(٢) روح البيان.