يخلق شيئًا كيف يكون إلهًا مستحقًا للعبادة.
ومعنى قوله: ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢)﴾؛ أي: إن (١) الذي خلق الإنسان وهو أشرف المخلوقات كلها من العلق، وآتاه القدرة على التسلط على كل شيء مما في هذا العالم الأرضي، وجعله يسوده بعلمه، ويسخره لخدمته قادر أن يجعل من الإنسان الكامل كالنبي - ﷺ -، قارئًا وإن لم يسبق له تعلم القراءة.
والخلاصة (٢): أن من كان قادرًا على أن يخلق من الدم الجامد إنسانًا حيًا ناطقًا يسود المخلوقات الأرضية جميعها قادر أن يجعل محمدًا - ﷺ - قارئًا وإن لم يتعلم القراءة والكتابة.
٣ - ثم كرر الأمر بالقراءة للتأكيد والتقرير، فقال: ﴿اقْرَأْ﴾؛ أي: افعل يا محمد ما أُمرت به من القراءة، وحكمة الأمر بالتكرير؛ لأن القراءة لا تكسبها النفس إلا بالتكرار والتعود على ما جرت به العادة، وتكرار الأمر الإلهي يقوم مقام تكرير المقروء، وبذلك تفسير القراءة ملكة للنبي - ﷺ -، تدبر قوله تعالى: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦)﴾ وقيل (٣): إنه أمره بالقراءة أولًا لنفسه، ثم أمره بالقراءة ثانيًا للتبليغ، فلا يكون من باب التأكيد، والأول أولى، وجملة قوله: ﴿وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ من المبتدأ والخبر مستأنفة مسوقة لإزاحة ما اعتذر به - ﷺ - من قوله: ما أنا بقارىء، يريد أن القراءة شأن من يكتب ويقرأ، وأنا أمي لا أعرف القراءة ولا الكتابة، فقيل له: اقرأ وربك الذي أمرك بالقراءة مبتدئًا باسمه وهو الأكرم؛ أي: الزائد في الكرم على كل كريم، فإنه ينعم بلا غرض، ولا يطلب مدحًا من ثوابًا من تخلصًا من المذمة، وأيضًا أن كل كريم، إنما أخذ الكرم منه، فكيف يساوي الأصل.
والمعنى (٤): أي وربك يا محمد أكرم من يرتجى منه الإعطاء، فيسيرٌ عليه أن يفيض عليك نعمة القراءة من بحار كرمه من غير تعلُّم كتابة ولا قراءة. وقال ابن الشيخ: ﴿وَرَبُّكَ﴾: مبتدأ، و ﴿الْأَكْرَمُ﴾: صفته، و ﴿الَّذِي﴾، مع صلته في قوله: ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ خبره؛ أي: علم ما علم بواسطة القلم لا غيره، فكما علم القارىء بواسطة الكتابة والقلم يعلمك بدونهما.

(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
(٤) المراغي.


الصفحة التالية
Icon