وفي "الخازن": وقد يكون (١) ﴿الْأَكْرَمُ﴾ بمعنى الكريم، كما جاء الأعز بمعنى العزيز، وغاية الكرم إعطاؤه الشيء من غير طلب العوض، فمن طلب العوض فليس بكريم، وليس المراد أن يكون العوض عينًا بل المدح والثواب عوض، والله سبحانه جل جلاله وتعالى عُلاهُ وشأنه يتعالى عن طلب العوض، ويستحيل ذلك في وصفه؛ لأنه أكرم الأكرمين، وقيل ﴿الْأَكْرَمُ﴾: هو الذي له الابتداء في كل كرم وإحسان، وقيل: هو الحليم عن جهل العباد، فلا يعجل عليهم بالعقوبة، وقيل: يحتمل أن يكون هذا حثًا على القراءة، والمعنى: اقرأ وربك الأكرم؛ لأنه يجزي بكل حرف عشر حسنات.
٤ - ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤)﴾؛ أي: علم الخط والكتابة التي بها تُعرف الأمور الغائبة، وفيه تنبيه على فضل الكتابة؛ لما فيها من المنافع العظيمة؛ لأن بالكتابة ضُبطت العلوم، ودونت الحكم، وبها عُرفت أخبار الماضين وأحوالهم وسيرهم ومقالاتهم، ولولا الكتابة ما استقام أمر الدين والدنيا، قال قتادة: القلم نعمة من الله عظيمة، لولا القلم لو يقم دين ولم يصلح عيش، وسئل (٢) بعضهم عن الكلام، فقال: ريح لا يبقى، قيل له: فما قيده؟ قال: الكتابة؛ لأن القلم ينوب عن اللسان، ولا ينوب اللسان عنه، كما قال بعضهم:

الْعِلْمُ صَيْدٌ وَالْكِتَابَةُ قَيْدُهُ قَيِّدْ صُيُوْدَكَ بِالْحِبَالِ الْوَاثِقَهْ
وقال الآخر:
وَمَا مِنْ كَاتِبٍ إِلَّا سَيَبْلَى وَيُبْقِي الدَّهْرُ مَا كَتَبَتْ يَدَاهُ
فَلاَ تَكْتُبْ بِكَفَّكَ غَيْرَ شَيءٍ يَسُرُّكَ فِيْ الْقِيَامَةِ أَنْ تَرَاهُ
وفيه امتنان على الإنسان بتعليم علم الخط والكتابة بالقلم، وسمي قلمًا؛ لأنه يُقَلَّم ويقص ويقطع.
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله: أأكتب ما أسمع منك من الحديث؟ قال: "نعم، فاكتب فإن الله تعالى علم بالقلم".
وعن ابن مسعود قال (٣): قال رسول الله - ﷺ -: "لا تسكنوا نساءكم الغرف ولا
(١) الخازن.
(٢) روح البيان.
(٣) المراح.


الصفحة التالية
Icon