والثالث: ليحقق الوعيد المذكور بقوله: ﴿لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ﴾ فيجر تلك الرأس على مقدمها.
قال ابن الشيخ: الناصية شعر الجبهة (١)، وقد يسمى مكان الشعر ناصية، ثم إنه تعالى كنى بها هاهنا عن الوجه والرأس، ولعل السبب في تخصيص السفع بها أن اللعين كان شديد الاهتمام بترجيل الناصية وتطييبها.
١٦ - وقوله: ﴿نَاصِيَةٍ﴾ بالجر بدل من ﴿الناصية﴾، وإنما أبدل (٢) النكرة من المعرفة؛ لوصفها بقوله: ﴿كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾ وهذا على مذهب الكوفيين، فإنهم لا يجيزون إبدال النكرة من المعرفة إلا بشرط وصفها، وأما على مذهب البصريين فيجوز إبدال النكرة من المعرفة كالعكس بلا شرط وأنشدوا:

فَلاَ وَأَبِيْكَ خَيْرٍ مِنْكَ إِنِّي لَيُؤْذِيْنِي التَّحَمُّمُ وَالصَّهِيْلُ
ووصف الناصية بالكذب والخطأ على الإسناد المجازي، وهما لصاحبها حقيقة، وفيه من الجزالة ما ليس في قولك: ناصية كاذب خاطىء كأن الكافر بلغ في الكذب قولًا والخطأ فعلًا إلى حيث أن كلًا من الكذب والخطأ، ظهر من ناصيته، وكان أبو جهل كاذبًا على الله في أنه لم يرسل محمدًا، وكاذبًا في أنه ساحر ونحوه، وخاطئًا بما تعرض له - ﷺ - بأنواع الأذية.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (١٦)﴾ بجر الثلاثة على أن ﴿نَاصِيَةٍ﴾ بدل من المعرفة، وأن ﴿كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾ صفتان لـ ﴿نَاصِيَةٍ﴾، قال الزمخشري: لأنها وُصفت فاستقلت بفائدة. انتهى. وليس شرطًا في إبدال النكرة من المعرفة أن توصف عند البصريين، كما مر آنفًا، خلافًا لمن شرط ذلك من غيرهم، ولا أن يكون من لفظ الأول أيضًا خلافًا لزاعمه، وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة وزيد بن علي بنصبها على الذم، وقرأ الكسائي: في رواية عنه برفعها على إضمار مبتدأ؛ أي: هي ناصية.
ومعنى الآية (٤): أي لا يستمرن بهذا الكافر جهله وغروره وطغيانه، أقسم بعزتي وجلالي لئن لم ينته وينزجر عن هذا الطغيان، ويكف عن نهي المصلي عن
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) البحر المحيط.
(٤) المراغي.


الصفحة التالية
Icon