أي: فلم يقتحم العقبة، وروي نحو ذلك عن مجاهد، فلهذا لم يحتج إلى التكرير، وقيل: هو جار مجرى الدعاء، كقولهم: لا نجا، قال أبو زيد وجماعة من المفسرين: معنى الكلام هنا: الاستفهام الذي بمعنى الإنكار، تقديره: أفلا اقتحم العقبة، أو التحضيض تقديره: هلّا اقتحم العقبة، كما مر آنفًا، ولكنه ضعيف؛ لأنه لم يُسمع في كلام العرب كون ﴿لا﴾ للتحضيض، والاقتحام (١): الدخول في أمر شديد ومجاوزته في صعوبة، وفي "القاموس": قحم في الأمر - كنصر - قحومًا إذا رمى بنفسه فيه فجأة بلا روية، والعقبة: الطريق الوعر في الجبل، والمعنى على النفي؛ أي: فلم يشكر تلك النعم الجليلة بالأعمال الصالحة، وعبر عنها بالعقبة لصعوبة سلوكها،
١٢ - ثم بيّن سبحانه العقبة، فقال: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢)﴾؛ أي: أي شيء أعلمك يا محمد جواب ما اقتحام العقبة؟ فإن المراد ليس العقبة الصورية،
١٣ - وأبّين لك بقولي: اقتحام العقبة هو ﴿فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣)﴾، أي: إعتاق نسمة، وتخليصها من أسر الرق، أو من قتل، أو يد كافر، وكل شيء أطلقته فقد فككته، ومنه فك الرهن، وأصل الفك (٢): الفرق بين الشيئين بإزالة أحدهما عن الآخر، كفك القيد والغل، وفك الرقبة، الفرق بينها وبين صفة الرق بإيجاب الحرية، سمي العتق فكًا؛ لأن الرق كالقيد، وسمي المرقوق رقبةً؛ لأنه بالرق كالأسير المربوط في رقبته، والرقبة: اسم للعضو المخصوص، ثم يعبر بها عن الجملة، وجُعل في التعارف اسمًا للمماليك، كما عبر بالرأس وبالظهر عن المركوب، فيقال: فلان يربط كذا رأسًا وكذا ظهرًا.
والمعنى هنا: هو - أي اقتحام العقبة - إعتاق رقبة، فالفك، ليس تفسيرًا وبيانًا لنفس العقبة، بل لاقتحامها بتقدير المضاف، وذلك لأن العقبة عين، والفك فعل فلا يكون تفسيرًا للآخر.
ثم فك الرقبة (٣) قد يكون بأن ينفرد الرجل في عتق الرقبة، وقد يكون بأن يُعطي مكاتبه ما يصرفه إلى جهة فكاك رقبته، وبأن يعين في تخليص نفس من قَوَد أو غُرْم، فهذا كله يعمه الفك دون الإعتاق، ويحتمل أن يكون المراد بفك الرقبة: أن
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.