ظنك بالمشركين، وهم أعرق في الجهالة وأسلس مقادة للهو،
٥ - ثم أنبهم ووبخهم على ما صاروا إليه من الأفعال، وعلى ما بلغوه من فساد العقل والضلال، فقال: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ﴾ جملة (١) حالية مفيدة لغاية قبح ما فعلوا، ومفيدة لتقريعهم وتوبيخهم على ما ارتكبوا من التفرق بعد مجيء البينة؛ أي: تفرقوا بعد مجيء البينة، والحال أنهم ما أمروا بما أُمروا به في كتبهم لشيء من الأمور، ولمصلحة من المصالح، ولحكمة من الحكم إلا لحكمة أن يعبدوا الله سبحانه ويخضعوا له، ويتذللوا له بامتثال مأموراته واجتناب منهياته التي منها الإيمان بمحمد - ﷺ -، والاجتناب من تكذيبه، وهذه ﴿اللام﴾ في الحقيقة لام الحكمة والمصلحة، يعني: أن فعله تعالى وإن لم يكن معللًا بالغرض إلا أنه مغيًا بالحكم والمصالح، وكثيرًا ما تُستعمل لام الغرض في الحكمة المترتبة على الفعل تشبيهًا لها بها في ترتبها على الفعل بحسب الوجود.
والأولى (٢) أن تكون ﴿اللام﴾ بمعنى الباء، وأن مضمرة، والمعنى: وما أمروا إلا بأن يعبدوا الله تعالى، وقال بعضهم الأظهر أن تُجعل ﴿لام﴾ ﴿لِيَعْبُدُوا اللَّهَ﴾ زائدة، كما تزاد في صلة الإرادة، فيقال: أردتُ لتقوم، لتنزيل الأمر منزلة الإرادة، فيكون المأمور به هذه الأمور من العبادة ونحوها، كما هو ظاهر، نظيره قوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ﴾؛ أي: أن يبين لكم، وقوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ﴾؛ أي: أن يطفئوا، وفي حصر (٣) علة كونهم مأمورين بما في كتبهم من عبادة الله بالإخلاص حيث قيل: وما أمروا بما أمروا إلا لأجل أن يتذللّوا له ويعظموه غاية التذلل والتعظيم ولا يطلبوا في امتثال ما كلفوا به شيئًا آخر سو التذلل لربهم ومالكهم، كثواب الجنة والخلاص من النار.. دليل على ما ذهب إليه أهل السنة من أن العبادة ما وجبت؛ لكونها مفضية إلى ثواب الجنة، أو إلى البعد من عذاب النار، بل لأجل أنك عبد وهو رب، ولو لم يحصل في الدين ثواب ولا عقاب ألبتة، وأمرك بالعبادة لمحض العبودية ومقتضى الربوبية والمالكية، وفيه أيضًا إشارة إلى أن مَن عَبَدَ الله للثواب والعقاب، فالمعبود في الحقيقة هو الثواب والعقاب، والحق واسطة، فالمقصود الأصلي من العبادة هو المعبود، وكذا الغاية من العرفان

(١) روح البيان.
(٢) الفتوحات.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon