والخضوع والنهاية في التعظيم والعبادة بهذا المعنى لا يستحقها إلا من كان واحدًا في صفاته الذاتية والفعلية.
﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ والإخلاص: أن يأتي بالفعل خالصًا لداعية واحدة، ولا يكون لغيرها من الدواعي تأثير في الدعاء إلى ذلك الفعل، فالعبادة لجلب المنفعة، أو لدفع المضرة ليست من قبيل الإخلاص، وقال الكرخي: والإخلاص أن لا يطلع على عملك إلا الله، ولا تطلب منه ثوابًا اهـ، وقال الشهاب: الإخلاص هنا عدم الشرك، وأنه ليس بمعنى الإخلاص المتعارف اهـ.
والدين: العبادة، واخلاص الدين لله: تنقيته من أدران الشرك. ﴿حُنَفَاءَ﴾: واحدهم حنيف، كشرفاء جمع شريف، وهو في الأصل المائل المنحرف، والمراد به هنا المنحرف عن الزيغ إلى إسلام الوجه لله تعالى.
﴿شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ صيغة التفضيل وأصله: أشرر بوزن أفعل، نقلت حركة الراء الأولى إلى الشين، ثم أُدغمت في الراء الثانية، ثم لما كثر استعمال هذه الكلمة على ألسنة العرب.. خففوها، فقالوا: شر فاستغنوا بها عن قولهم: أشر، وكذلك فعلوا في كلمة خير.
﴿الْبَرِيَّةِ﴾ قرىء بالهمزة، فقالوا: ﴿البريئة﴾ وبدونها، فقالوا: ﴿الْبَرِيَّةِ﴾ فقراءة الهمزة على أن لامه همزة من برأ، ووزنه فعيلة بمعنى مفعولة، ومن قرأ بياء مشددة بدون همزة يحتمل أن يكون تخفيفًا للغة الهمزة بإبدال الهمزة ياء وإدغام ياء فعيل فيها، ويحتمل أن يكون من البري وهو التراب؛ لأنهم خلقوا منه، فأدغمت ياء فعيل في ياء لام الكلمة ومعنى القراءتين شيء واحد، وهو جميع الخلق.
قال ابن خالويه: والعرب على ترك الهمز، قال العجير لنافع بن علقمة:

يَا نَافِعًا يَا أَكْرَمَ الْبَرِيَّهْ وَاللهِ لَا أَكْذِبُكَ الْعَشِيَّهْ
إِنَّا لَقِيْنَا سَنَةً قَسِيَّهْ ثُمَّ مُطِرْنَا مَطْرَةَ رَوِيَّهْ
فَنَبَّتَ الْبَقْلُ وَلَا رَعِيَّهْ فَانْظُرْ بِنَا الْقرَابَةَ الْعَلِيَّهْ
وَالْعُرْبُ مِمَّا وَلَدَتْ صَفِيَّهْ
فأمر له بألف شاة.


الصفحة التالية
Icon