وقال الآخر:

أُمْرُرْ عَلَى جَدَثِ الْحُسَيْـ ـنِ فَقُلْ لأَعُظُمِهِ الزَّكِيَّهْ
قَبْرٌ تَضَمَّنَ طَيَّبًا آبَاؤُهُ خَيْرُ الْبَرِيَّهْ
آبَاؤُهُ أَهْلُ الْخِلاَ فَةِ وَالرِّيَاسَةِ وَالْعَطِيَّهْ
وفي قوله: بالنصب نظر، فهلا قال: يا نافع بالضم مع التنوين؛ لأن المنادى المفرد إذا نُوّن للضرورة تُرك على ضمه، كقول الأحوص:
سَلَامُ اللهِ يَا مَطَرٌ عَلَيْهَا وَلَيْسَ عَلَيْكَ يَا مَطَرُ السَّلَامُ
وقد اهتم النحاة بهذا البيت، فأطلقوا على التنوين فيه تنوين الضرورة، وليس بذاك، وارجع إن شئت إلى كتبهم، والله أعلم.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الإجمال بقوله: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، ثم التفصيل بقوله: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ﴾؛ لأن ذكر الشيء مجملًا، ثم ذكره مفصلًا أوقع في النفس.
ومنها: إيراد الصلة فعلًا في قوله: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ إشعارًا بأن كفرهم حادث بعد أنبيائهم.
ومنها: التعبير عن إتيان البينة بالمضارع في قوله: ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ اعتبارًا بحال المحكي لا الحكاية.
ومنها: التنوين في قوله: ﴿رَسُولٌ﴾ للدلالة على التفخيم والتعظيم.
ومنها: وصفه بقوله: ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ تأكيدًا لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية؛ أي: رسول؛ أي: رسول كائن من الله تعالى.
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: ﴿يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾؛ لأن نسبة التلاوة إلى الصحف بمعنى القراطيس مجاز؛ لأن الأوراق لا تتلى، بل المتلو المكتوب، ففيه إسناد ما للحال إلى المحل بعلاقة الحلول، والمراد أنه لما كان ما يتلوه الذي هو


الصفحة التالية
Icon