٣ - ﴿وَقَالَ الْإِنْسَانُ﴾؛ أي (١): وقال كل فرد من أفراد الناس لما يغشاهم من الأهوال ويلحق بهم من فرط الدهشة وكمال الحيرة. ﴿مَا لَهَا﴾؛ أي: أي شيء - للأرض زلزلت هذه المرة الشديدة من الزلزال وأخرجت ما فيها من الأثقال استعظامًا لما شاهده من الأمر الهائل، وتعجبًا لما يرونه من العجائب التي لم تسمع بها الأذان ولا ينطق بها اللسان، لكن المؤمن يقول بعد الإفاقة: هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون، والكافر: مَن بعثنا من مرقدنا.
وقوله: ﴿مَا لَهَا﴾ مبتدأ وخبر، وفيه معنى التعجب؛ أي: أي شيء ثبت لها؟ أو لأي شيء زلزلت، وأخرجت أثقالها؟ والمعنى (٢)؛ أي: وقال من يكون من الناس مشاهدًا لهذا الزلزال الذي يخالف أمثاله في شدته، ويحار العقل في معرفة أسبابه، ويصيبه الدهش مما يرى ويبصر ما لهذه الأرض وما الذي وقع لها مما لم يعهد له نظير من قبل، كما جاء في آية أخرى: ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى﴾.
٤ - وقوله: ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ بدل من ﴿إِذَا﴾ وقوله: ﴿تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ عامل فيهما، وهو جواب الشرط كما مر، وهذا على القول (٣) بأن العامل في ﴿إِذَا﴾ الشرطية جوابها، و ﴿أَخْبَارَهَا﴾ مفعول ثان لـ ﴿تُحَدِّثُ﴾ والأول محذوف؛ لعدم تعلق الغرض بذكره؛ إذ الكلام مسوق لبيان تهويل اليوم، وأن الجمادات تنطق فيه، وأما ما ذكر ابن الحاجب من أن حدَّث وأنبأ ونَبَّأ لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد، فغير مسلم الصحة على ما فُصِّل في محله، والمعنى: يوم إذا زلزلت الأرض وأخرجت أثقالها تحدث الخلق وتخبرهم أخبارها إما بلسان الحال، حيث تدل دلالة ظاهرة على ما لأجله زلزالها، واخراج أثقالها، وأن هذا ما كانت الأنبياء ينذرونه ويخوفون منه، وإما بلسان المقال؛ وهو قول الجمهور حيث ينطقها الله تعالى، فتخبر بما عُمل على ظهرها من خير وشر حتى يود الكافر أنه سيق إلى النار بما يرى من الفضوح.
روي: أن عبد الرحمن بن صعصعة كان يتيمًا في حجر أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - فقال أبو سعيد: يا بني إذا كنت في البوادي فارفع صوتك بالأذان،
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.