فإني سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "لا يسمعه جن ولا إنس ولا حجر ولا شجر إلا شهد له".
وروي: أن أبا أمية صلى في المسجد الحرام المكتوبة ثم تقدم فجعل يصلى هاهنا وهاهنا، فلما فرغ. قيل له: يا أبا أمية، ما هذا الذي تصنع؟ قال: قرأت هذه الآية: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤)﴾ فأردت أن يشهد لي يوم القيامة، فطوبى لمن شهد له المكان بالذكر والتلاوة والصلاة ونحوها، وويل لمن شهد عليه بالزنا والشرب والسرقة والمساوىء. ويقال: إن لله عليك سبعة شهود: المكان؛ كما قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤)﴾، والزمان؛ كما في الخبر: "ينادي كل يوم: أنا يوم جديد، وأنا على ما تعمل فيّ شهيد"، واللسان؛ كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾، والأركان؛ كما قال تعالى: ﴿وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ﴾، والملكان؛ كما قال: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠)﴾، والديوان؛ كما قال تعالى: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ﴾، والرحمن؛ كما قال: ﴿إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا﴾، فكيف يكون حالك أيها العاصي إذا شهد عليك هؤلاء الشهود؟.
والمعنى: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤)﴾؛ أي: في (١) ذلك الوقت، وقت الزلزلة تحدثك الأرض أحاديثها.
والمعنى: أي إن حالها وما يقع فيها من الاضطراب والانقلاب وما لم يعهد له نظير من الخراب تُعْلِم السائل وتفهمه أن ما يراه لم يكن بسبب من الأسباب التي وضعت لأمثاله مما نراه حين استقر نظام هذا الكون،
٥ - ثم بين سبب ما يرى، فقال: ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (٥)﴾؛ أي (٢): تحدث أخبارها بسبب إيحاء ربك لها وأمره إياها بالتحديث بلسان المقال على ما عليه الجمهور أو بسبب أن أحدث فيها أحوالًا دالة على الإخبار، كما إذا كان التحديث بلسان الحال، و ﴿اللام﴾ (٣) في ﴿أَوْحَى لَهَا﴾ بمعنى إلى، وإنما أوثرت اللام على إلى مع كون المشهور تعديتها بأل لموافقة الفواصل قال العجاج يصف الأرض:
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.