الدين وذلك حين قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ وقوله - ﷺ - في حق أبي طالب: "ولولا أنا.. كان في الدرك الأسفل من النار" فتلك الشفاعة مختصة به وأما حسنات الكفار: فمقبولة بعد إسلامهم، وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: (ليس من مؤمن ولا كافر عمل خيرًا أو شرًا إلا أراه الله إياه أما المؤمن: فيغفر له سيئاته ويثيبه بحسناته وأما الكافر: فيرد حسناته تحسيرًا له). وفي "تفسير البقاعي" الكافر يوقف على ما عمله من خير على أنه جوزي به في الدنيا، أو أنه أحبط لبنائه على غير أساس الإيمان، فهو صورة بلا معنى، ليشتد ندمه ويَقْوَى حزنه وأسفه، والمؤمن يراه ليشتد سروره به، وفي جانب الشر يراه المؤمن ويعلم أنه قد غفر له فيكمل فرحه، والكافر يراه فيشتد حزنه وترحه. وقال محمد بن كعب (١): (فمن يعمل مثقال ذرة من خير من كافر يرى ثوابه في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده، حتى يخرج من الدنيا. وليس له عند الله تعالى خير، ومن يعمل مثقال ذرة من شر من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في ماله ونفسه وأهله وولده، حتى يخرج من الدنيا وليس عليه عند الله شر). والتفسير الأول أولى. قال مقاتل: (نزلت في رجلين، كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن يؤتيه التمر والكسرة، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير ويقول: إنما أوعد الله النار على الكافرين).
وقرأ الجمهور (٢): ﴿يَرَهُ﴾ في الموضعين بفتح الياء فيهما مبنيًا للفاعل؛ أي: يرى جزاءه من ثواب وعقاب، وقرأ ابن عباس وابن عمر، والحسن والحسين ابنا علي، وزيد بن علي وأبو حيوة، وعبد الله بن مسلم والكلبي، وخُليد بن نشيط وأبان عن عاصم، والكسائي في رواية حميد بن الربيع عنه، والجحدري والسلمي وعيسى: ﴿يُره﴾ بضم الياء فيهما على البناء للمفعول، أي: يريه الله إياه. وقرأ عكرمة ﴿يَرَهُ﴾ على توهم أن ﴿مَن﴾ موصولة، أو على تقدير الجزم بحذف الحركة المقدرة في آخر الفعل، على لغة حكاها الأخفش. وقرأ الجمهور (٣): ﴿يَرَهُ﴾ في الوضحين بضم الهاء وصلًا وسكونها وقفًا وقرأ هشام بسكونها وصلا ووقفا ونقل أبو حيان عن هشام وأبي بكر سكونها فيهما، وعن أبي عمرو ضمها فيهما، مشبعة

(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon