لشخص في معرض التهديد: سأعرف لك عملك هذا، مع أنك تعرفه الآن قطعًا، وإنما عرفانه الآتي هو ظهور أثر المعرفة، وهو مجازاته بما يستحق، وقد جاء على هذا النسق قوله تعالى: ﴿سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا﴾ مع أن كتابة أقوالهم حاصلة فعلًا، فالمراد: سنجازيهم بما قالوا الجزاء الذي هم له أهل، والله أعلم بأسرار كتابه.
الإعراب
﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (١) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (٢) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (٣)﴾.
﴿وَالْعَادِيَاتِ﴾ ﴿الواو﴾ حرف جر وقسم، العاديات: مجرور بواو القسم، الجار والمجرور متعلق بفعل قَسَم محذوف وجوبًا لكون القسم بالواو تقديره: أقسم بالعاديات، والجملة القَسَمية مستأنفة استئنافًا نحويًا ﴿ضَبْحًا﴾: مفعول مطلق لفعل محذوف؛ أي: يضبحن ضبحا، والجملة المقدرة حال من العاديات، ويجوز أن يكون ﴿ضَبْحًا﴾ مصدرًا وقع موضع الحال من ﴿العاديات﴾؛ أي: أقسم بالعاديات حالة كونها ضابحات، ويجوز أن يكون منصوبًا بالعاديات، ﴿فَالْمُورِيَاتِ﴾: ﴿الفاء﴾ عاطفة ﴿الموريات﴾ معطوف على ﴿العاديات﴾، ﴿قَدْحًا﴾ وقد جاء فيه الأوجه الثلاثة التي في ﴿ضَبْحًا﴾. ﴿فَالْمُغِيرَاتِ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة ﴿المغيرات﴾: معطوف على ﴿الموريات﴾ لا على ﴿العاديات﴾ كما توهمه بعضهم؛ لأن العطف إذا كان بحرف مرتب فكل معطوف على ما قبله كما بيّناه في "باكورتنا على الأجرومية" نقلًا عن الشيخ الحامدي، و ﴿صُبْحًا﴾: منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿المغيرات﴾ أي: اللاتي تغير في وقت الصبح، قال أبو حيان وأجاد: وفي هذا دليل على أن هذه الأوصاف لذات واحدة لعطفها بالفاء التي تقتضي التعقيب، والظاهر، أنها الخيل التي يُجاهَد عليها العدو من الكفار كما مرّ بسطه في مبحث التفسير.
﴿فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (٤) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (٥) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨)﴾.
﴿فَأَثَرْنَ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة ﴿أثرن﴾ فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنون الإناث، ونون الإناث في محل الرفع فاعل ﴿بِهِ﴾ متعلق بـ ﴿أثرن﴾ و ﴿نَقْعًا﴾: مفعول به، والضمير في ﴿بِهِ﴾ يعود على العدو من على الصبح، و ﴿الباء﴾ حينئذٍ بمعنى (في)، أي: ﴿فَأَثَرْنَ﴾ في وقت الصبح ﴿نَقْعًا﴾: قال أبو حيان: وهذا أحسن


الصفحة التالية
Icon