عالية، ومعنى ﴿رَاضِيَةٍ﴾ أي: ذات رضا، بأن يرضاها صاحبها على أنها للنسب كلابن وتامر.
٨ - ولما ذكر نعيم أهل الخير أردفه عقاب أهل الشر، فقال: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (٨)﴾ بأن لم يكن له حسنة يعشو بها، من ترجحت على حسناته، وعن ابن مسعود رضي الله عنه: يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة.. دخل الجنة ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة.. دخل النار
٩ - ﴿فَأُمُّهُ﴾؛ أي: مأواه ﴿هَاوِيَةٌ﴾: هي من أسماء النار، سميت (١) بها لغاية عمقها وبعد مهواها. روي: أن أهل النار يهوون فيها سبعين خريفًا. وعبر عن المأوى بالأم لأن أهلها يأوون إليها كما يأوي الولد إلى أمه، وفيه تهكم به، من لأنها تحيط به إحاطة رحم الأم بالولد، من لأن الأم هي الأصل والكافر خلق من النار، وكل شيء يرجع إلى أصله، وهو اللائح. وفي "الكشاف" من قولهم إذا دعوا على الرجل بالهلكة. هوت أمه؛ لأنه إذا هوى؛ أي: سقط وهلك.. فقد هوت أمه ثكلًا وحزنًا، فكأنه قيل: فقد هلك، وعن قتادة: ﴿فَأُمُّهُ﴾؛ أي: فأم رأسه ﴿هَاوِيَةٌ﴾؛ أي: ساقطة في جهنم؛ لأنه يطرح فيها منكوسًا. وأم الرأس: الدماغ أو الجلدة الرقيقة التي عليها، يقال خف ميزانه؛ أي: سقطت قيمته، فكأنه ليس بشيء حتى لو وضع في كفة ميزان لم يرجح بها على أختها، ومن كان في الدنيا كثير الشر قليل فعل الخّير فدس نفسه بالشر واجتراح المعاصي وعاث في الأرض فسادًا. لم يكن شيئًا، فلا ترجح له كفة ميزان لو وضع فيها، وقوله: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (٨)﴾؛ أي: حسناته بسبب ثقل سيئاته.
وبقي قسم ثالث غير مذكور في الآية وهو (٢): من استوت حسناته وسيئاته، وفي "المناوي" فمن رجحت حسناته بسبب زيادتها على السيئات فهو في الجنة بغير حساب، ومن استوت حسناته وسيئاته فيحاسب حسابًا يسيرًا، ومن رجحت سيئاته على حسناته؛ أي: بسبب زيادتها.. فيشفع فيه أو يعذب اهـ. وعلى الجملة (٣): فعلينا أن نؤمن بما ذكره الله تعالى من الميزان في هذه الآية وفي قوله: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ ومن وزن الأعمال وتمييز مقدار لكل عمل، وليس علينا

(١) روح البيان.
(٢) الفتوحات.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon