القبور؛ أي: جُعلت كناية عنه تهكمًا بهم. قال الطيبي: إنما كان تهكمًا؛ لأن زيارة القبور شُرعت لتذكر الموت ورفض حب الدنيا، وترك المباهاة والمفاخرة، وهؤلاء عكسوا حيث جعلوا زيارة القبور سببًا لمزيد القسوة والاستغراق في حب الدنيا، والتفاخر في الكثرة، وهذا خبر فيه تقريع وتوبيخ، والغاية تدخل تحت (١) المغيَّا في هذا الوجه، وقيل المعنى: ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد إلى أن متم وقبرتم مضيَّعين أعماركم في طلب الدنيا معرضين عما يهمكم من السعي لأخراكم، فتكون زيارة القبور عبارة عن الموت، والتكاثر هو التكاثر بالمال والولد.
وفي الآية: إشارة إلى أنهم يُبعثون، فإن الزائر منصرف لا مقيم، وقرأها عمر بن عبد العزيز، فقال: ما أرى المقابر إلا زيارة، ولا بد لمن زار أن يرجع إلى بيته إما إلى الجنة أو إلى النار، وفيه تحذير عن الدنيا وترغيب في الآخرة والاستعداد للموت.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿أَلْهَاكُمُ﴾ على الخبر، وقرأ ابن عباس وعائشة ومعاوية وأبو عمران الجوني وأبو صالح ومالك بن دينار وأبو الجوزاء وجماعة بالمد على الاستفهام، وقد روي كذلك عن الكلبي ويعقوب وعن أبي بكر الصديق وابن عباس أيضًا وأبي العالية وابن أبي عبلة والكسائي في رواية: ﴿أألهاكم﴾ بهمزتين، ومعنى الاستفهام التوبيخ والتقريع على قبح فعلهم.
وحاصل معنى الآية: ﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١)﴾؛ أي: شغلكم (٣) التفاخر والتباهي بكثرة الأنصار والأشياع وصرفكم ذلك عن الجد في العمل، فكنتم في لهو بالقول عن العمل، وفي غرور وإعجاب بالآباء والأعوان وصرفكم ذلك عن توجيه قواكم إلى العمل بما فُرض عليكم من الأعمال لأنفسكم وأهليكم، وما زال ذلك ديدنكم ودأبكم الذي سرتم عليه.
وروى مسلم عن أنس أن النبي - ﷺ - قال: "لو أن لابن آدم واديًا من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب".
﴿حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (٢)﴾؛ أي: حتى هلكتم وصرتم من الموتى، فأضعتم
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.