في الحقيقة بعلم، وإنما هو وهم وظن. لا يلبث أن يتغير؛ لأنه لا يطابق الواقع، والجدير بأن يسمى علمًا هو علم اليقين المطابق للواقع بناء على العيان والحس، أو الدليل الصحيح الذي يؤيده العقل والنقل الصحيح عن المعصوم - ﷺ -، وإنما ذكر سبحانه هذا زيادة في زجرهم عن تغريرهم بأنفسهم، فقد جرت عادة الغافلين أنهم إذا ذكروا بعواقب حالهم أن يقولوا إنهم يعلمون العواقب وإنهم في منتهى اليقظة وسداد الفكرة،
٦ - ثم ذكر لهم بعض ما ينتهي إليه هذا اللهو، وهو عذاب الآخرة بعد خزي الدنيا، فقال: ﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦)﴾ جواب قسم محذوف، أكد به الوعيد حيث إن ما أوعدوا به مما لا مدخل فيه للريب، وشدد به التهديد، وأوضح به ما أنذروه بعد إبهامه تفخيمًا، تقديره: والله لترون الجحيم في الآخرة بأبصاركم، ولا يجوز أن يكون جواب ﴿لَوْ﴾: لأن رؤية الجحيم مثبتة محققة الوقوع وليست بمعلقة. قال الرازي: وليس هذا جواب ﴿لَوْ﴾؛ لأن جواب ﴿لَوْ﴾ يكون منفيًا وهذا مثبت، ولأنه عطف عليه.
﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ﴾: وهو مستقبل لا بد من وقوعه، وحذف جواب ﴿لَوْ﴾ كثير، فلو جعل جواب ﴿لَوْ﴾ لكان المعنى: إنكم لا ترونها لكونكم جهالًا، وهو غير صحيح، وقال بعضهم: يصح أن يكون جوابًا، فيكون المعنى: سوف تعلمون الجزاء، ثم قال: لو تعلمون الجزاء علم اليقين الآن لترون الجحيم يعني: يكون الجحيم دائمًا في نظركم لا يغيب عنكم أصلًا اهـ.
والرؤية هنا بصرية؛ أي: وعزتي، وجلالي: إنكم لترون الجحيم بأبصاركم بعد الموت، فلذلك تعدت إلى مفعول واحد،
٧ - ثم كرر الوعيد والتهديد للتأكيد، فقال: ﴿ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (٧)﴾؛ أي: ثم لترون الجحيم الرؤية التي هي نفس اليقين، وهي المشاهدة والمعاينة، وقيل: الأولى (١) إذا رأوها من مكان بعيد ببعض خواصها وأحوالها مثل رؤية لهبها ودخانها، والثانية إذا اوردوها، فإن معاينة نفس الحفرة وما فيها من الحيوانات المؤذية وكيفية السقوط فيها أجلى وأكشف من الرؤية الأولى، فعلى هذا يتنازع الفعلان في عين اليقين، أو المراد بالأولى المعرفة، وبالثانية المشاهدة، والمعاينة،