وقوله: ﴿عَيْنَ الْيَقِينِ﴾؛ أي (١): الرؤية التي هي نفس اليقين، فإن علم المشاهدة للمحسوسات أقصى مراتب اليقين، فلا يرد أن أعلى اليقينيات الأوليات وهي ما يحكم فيها العقل من أول وهلة لعدم توقفها على شيء بعد تصدر الطرفين، وتسمى الضروريات كقولهم: السكين قاطع، والسماء فوقنا، والأرض تحتنا اهـ "صبان" بتصرف.
وإنما قيَّد الرؤية بعين اليقين احترازًا عن رؤية فيها غلط الحس، فانتصاب ﴿عَيْنَ الْيَقِينِ﴾ على أنه صفة المصدر ﴿لَتَرَوُنَّهَا﴾، وجعل الرؤية التي هي سبب اليقين نفس اليقين مبالغة.
والمعنى: أي (٢) لترونها رؤية هي اليقين إلى أي دين، أو إلى أي شخص كانت نسبتكم، فلتتقوا الله ربكم ولتنتهوا عما يقذف بكم فيها، ولتنظروا إلى ما أنتم فيه من نعمة، ولترعوا حق الله فيها، فاستعملوها فيما أمر أن تُستعمل فيه، ولا تجترحوا السيئات، ولا تقترفوا المنكرات، وإنكم لتمنون أنفسكم بأنكم ممن يعفو الله عنكم ويزحزحكم من النار بمجرد نسبتكم إلى الدين الإِسلامي، وتلقيبكم بألقابه مع مخالفتكم أحكام القرآن وعملكم عمل أعداء الإِسلام.
وقرأ ابن عامر والكسائي (٣): ﴿لترون﴾ بضم التاء وباقي السبعة بالفتح، وقرأ علي وابن كثير في رواية، وعاصم في رواية بفتحها في: ﴿لَتَرَوُنَّ﴾ وضمها في: ﴿لَتَرَوُنَّهَا﴾ ومجاهد والأشهب وابن أبي عبلة بضمهما، وروي عن الحسن وأبي عمرو بخلاف عنهما أنهما همزا الواوين، استثقلوا الضمة على الواو، فهمزوا كما همزوا في: وقتت، وكان القياس أن لا تهمز؛ لأنها حركة عارضة لالتقاء الساكنين، فلا يعتد بها، لكنها لما تمكنت من الكلمة بحيث لا تزول أشبهت الحركة الأصلية فهمزوا، وقد همزوا من الحركة العارضة ما يزول في الوقت نحو: استرؤوا الصلاة فهمز هذه أولى.
٨ - ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)﴾ قال في "التيسير": كلمة (٤) ﴿ثُمَّ﴾ للترتيب

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
(٤) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon