في الإخبار لا في الوجود، فإن السؤال بأنك أشَكرت على تلك النعمة أم كفرت يكون في موقف الحساب قبل دخول النار، والمعنى: ثم لتسألن يوم رؤية الجحيم وورودها عن النعيم الذي ألهاكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه، فتعذبون على ترك الشكر، فإن الخطاب في ﴿لَتُسْأَلُنَّ﴾ مخصوص بمن عكف همته على استيفاء اللذات ولم يعش إلا ليأكل الطيب ويلبس اللين، يقَطَّعُ أوقاته باللهو والطرب لا يعبأ بالعلم والعمل، ولا يحمِّل على نفسه مشاقهما، فإن من تمتع بنعمة الله وتقوَّى بها على طاعته وكان ناهضًا بالشكر، فهو من ذلك بمعزل بعيد، فدخل في الآية كفار مكة ومن لحق بهم في وصفهم من فسقة المؤمنين، وقيل: الآية مخصوصة بالكفار، وقال بعضهم: المراد بالنعيم هو الصحة والفراغ، وقال أبو حيان: الظاهر العموم في ﴿النَّعِيمِ﴾ وهو كل ما يلتذ به من مطعم ومشرب ومفرش ومركب، فالمؤمن يُسأل سؤال إكرام وتشريف، والكافر سؤال توبيخ وتقريع، وعن ابن مسعود ومجاهد والشعبي وسفيان: هو الأمن والصحة، وعن ابن عباس: البدن والحواس فيم استعملها، وعن ابن جبير: كل ما يتلذذ به، وفي الحديث: "بيت يكنك وخرقة تواريك، وكسرة تشد قلبك، وما سوى ذلك فهو نعيم" انتهى.
وفي "الشوكاني" قوله: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)﴾؛ أي: نعيم الدنيا الذي ألهاكم عن العمل للآخرة، قال قتادة: يعني كفار مكة كانوا في الدنيا في الخير والنعمة، فيُسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه، ولم يشكروا رب النعم حيث عبدوا غيره وأشركوا به، قال الحسن: لا يُسأل عن النعيم إلا أهل النار، وقال قتادة: إن الله سبحانه سائلٌ كلَّ ذي نعمة عما أنعم عليه، وهذا هو الظاهر كما مر عن أبي حيان، ولا وجه لتخصيص النعيم بفرد من الأفراد أو نوع من الأفراد؛ لأن تعريفه للجنس أو للاستغراق، ومجرد السؤال لا يستلزم تعذيب المسؤول على النعمة التي يُسأل عنها، فقد يسأل الله المؤمن عن النعم التي أنعم بها عليه فيم صرفها وبم عمل فيها؛ ليعرف تقصيره وعدم قيامه بما يجب عليه من الشكر عليها، وقيل: السؤال عن الأمن والصحة، وقيل: عن الإدراك بالحواس، وقيل: عن ملاذ المأكول والمشروب، وقيل: عن الغداء والعشاء، وقيل: عن بارد الماء وظلال المساكن، وقيل: عن اعتدال الخلق، وقيل: عن لذة النوم، وقيل: عن الصحة والفراغ، والأولى الدموم كما ذكرنا، وفي الحديث: "نعمتان مغبون فيهما كثير من