الناس الصحة والفراغ" أخرجه البخاري، وفي هذا الحديث دلالة على عظم محل هاتين النعمتين وجلالة خطرهما، وذلك لأن بهما يستدرك مصالح الدنيا، ويكتسب درجات الآخرة، فإن الصحة تنبىء عن اجتماع القوى الذاتية، والفراغ يدل على انتظام الأسباب الخارجة المنفصلة، ولا قدرة على تمهيد مصلحة من مصالح الدنيا والآخرة إلا بهذين الأمرين، ثم سائر النعم بَعْدُ من توابعهما، وقال معاوية بن قرة: شدة الحساب يوم القيامة على الصحيح الفارغ، يقال: كيف أديت شكرهما؟، وفي "عين المعاني": يسأل عن النعم الخمس: شبع البطون، وبرد الشراب، ولذة النوم، وظلال المساكن، واعتدال الخَلْق.
والمعنى: أي إن هذا النعيم الذي تتفاخرون به وتعدونه مما يباهي به بعضكم بعضًا ستسألون عنه ماذا صنعتم به، هل أديتم حق الله فيه، وراعيتم حدود أحكامه في التمتع به؟ فإن لم تفعلوا ذلك كان هذا النعيم غاية الشقاء في دار البقاء.
روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: أي نعيم نُسأل عنه يا رسول الله، وقد أخرجنا من ديارنا وأموالنا، فقال رسول الله - ﷺ -: "ظلال المساكن والأشجار، والأخبية التي تقيكم الحر والبرد، والماء البارد في اليوم الحارث، وروي عن الزبير بن العوام - رضي الله عنه - قال: نزلت: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)﴾ قال الزبير: يا رسول الله: وأي نعيم نُسأل عنه، وإنما هما الأسودان التمر والماء؟ قال: "أما إنه سيكون" أخرجه الترمذي، وقال حديث حسن.
وروي أن رسول الله - ﷺ - قال: "من أصبح آمنًا في بدنه، معافى في بدنه، وعنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها".
وروى مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: خرج رسول الله - ﷺ - ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال رسول الله - ﷺ -: "ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ " قالا: الجوع يا رسول الله، قال: "والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، فقدما فقاموا معه، فأتى رجلًا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة قالت: مرحبًا وأهلًا، فقال لها رسول الله - ﷺ -: أين فلان؟ " قالت: ذهب يستعذب لنا الماء؛ إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله - ﷺ -