﴿هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ﴾ والمشأمة: طريق الشقاء، وهو أيضًا مصدر ميمي، أو اسم مكان.
﴿عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠)﴾؛ أي: مطبقة، من أوصدت البالب إذا أطبقته، كأوعدته فهو حينئذ مثال واوي، أو من آصدته بالمد إذا أطبقته وأغلقته وأحكمته، فهو حينئذ من المهموز مثل آمن، فمن قرأها ﴿مُؤْصَدَةٌ﴾ بالهمز جعلها اسم مفعول من آصدت كآمنت، ومن قرأها ﴿موصدة﴾ بالواو من غير همز جعلها اسم مفعول من أوصدت مثل أوعد فهو مُوعِد، وذاك مُوعَد، ويحتمل على هذه القراءة أن يكون أيضًا من آصد مثل آمن، لكنه قُلبت همزته الساكنة واوًا؛ لضم ما قبلها للتخفيف، ففيه لغتان: آصد كآمن، وأوصد كأوعد، كلاهما بمعنى واحد.
وكان أبو بكر بن عياش راوي عاصم يكره الهمزة في هذا الحرف، ويقول: لنا إمام يهمز مؤصدة، فأشتهي أن أصد أذني إذا سمعته، وكأنه لم يحفظه عن شيخه إلا بترك الهمزة، وقد حفظه حفص بالهمزة، وهو أضبط للحروف من أبي بكر على ما نقله القراء، وإن كان أبو بكر أكبر وأتقن وأوثق عند أهل الحديث، والله سبحانه وتعالى أعلم.
البلاغة
وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: زيادة ﴿لا﴾ في قوله: ﴿لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (١)﴾؛ أي: أقحم بهذا البلد لتكيد القسم، وهو مستفيض شائع في كلام العرب، كقولهم: لا والله ليس بالأمر كذا؛ أي: والله ليس الأمر كذا، قال امرؤ القيس:
لَا وَأَبِيْكِ ابْنَةَ العَامِرِيّ
ومنها: الإظهار في مقام الإضمار في قوله: ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (٢)﴾ إظهارًا لمزيد فضلها بحلوله فيه.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (٣)﴾ فكل من الوالد والولد مشتق من الولادة.


الصفحة التالية
Icon