ممن استثناهم الله تعالى وهم الذين آمنوا الخ، فهم لا شك في خسران عظيم يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولا يستعتبون.
والخلاصة: أي إن هذا الجنس من المخلوقات لخاسر في أعماله ضربًا من الخسران إلا من استثناهم الله تعالى، فأعمال الإنسان هي مصدر شقائه، لا الزمان ولا المكان، وهي توقعه في الهلاك، فذنب المرء في حق بارئه ومن يمن عليه بنعمه الجليلة وآلائه الجسيمة جريمة لا تعدلها جريمة أخرى.
٣ - ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وصدقوا واعترفوا وأيقنوا بالخالق عَزَّ وَجَلَّ وآمنوا به وبرسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر، وصدقوا بالقدر خيره وشره من الله تعالى، واعتقدوا اعتقادًا صحيحًا أن للعالم كله إلهًا خالقًا قادرًا يرضى عن المطيع ويغضب على العاصي، وأن هناك فرقًا بين الفضيلة والرذيلة، فدفعهم ذلك إلى عمل البر والخير.
﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾؛ أي: اكتسبوا الفضائل والخيرات الباقية، فربحوا بزيادة النور الكمالي على النور الاستعدادي الذي هو رأس مالهم، فهم في تجارة لن تبور حيث باعوا الفاني الخسيس، واشتروا الباقي النفيس، واستبدلوا الباقيات الصالحات بالغاديات الرائحات، فيا لها من صفقة ما أربحها، وهذا بيان لتكميلهم لأنفسهم، واستدل بعض الطوائف بالآية على أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار؛ لأنه لم يستثن من الخسران إلا الذين آمنوا إلخ.
والتقصي منه أن غير المستثنى في خسر لا محالة؛ إما بالخلود إن مات كافرًا، وإما بالدخول في النار إن مات عاصيًا لم يُغفر له، وإما بفوات الدرجات العالية إن غُفر له.
والمعنى: أي جمعوا بين الإيمان بالله والعمل الصالح، فإنهم في ربح لا في خسر؛ لأنهم عملوا للآخرة ولم تشغلهم أعمال الدنيا عنها، والاستثناء متصل، ومن قال: إن المراد بالإنسان الكافر فقط، فيكون منقطعًا، ويدخل تحت هذا الاستثناء كل مؤمن ومؤمنة، ولا وجه لما قيل من أن المراد بهم الصحابة أو بعضهم، فإن اللفظ عام لا يخرج عنه أحد ممن يتصف بالإيمان والعمل الصالح.
وقوله: ﴿وَتَوَاصَوْا﴾؛ أي: أوصى وأمر بعضهم بعضًا ﴿بِالْحَقِّ﴾ ويتحاثوا عليه؛ أي: بالأمر الثابت الذي لا سبيل إلى إنكاره ولا زوال في الدارين لمحاسن آثاره،